للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقدمة بين يدي الكلام عن كتب ابن عربي الإلحادية]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فسنقرأ المقطع الذي يتعلق بمذهب وحدة الوجود، وقبل أن نقرأ أحب أن أنبه إلى ما نبهت إليه سابقاً من أن في هذا المجلد بالذات سنكتفي بنماذج مما ذكره شيخ الإسلام عن أصحاب وحدة الوجود خاصة الرءوس الكبار، ونترك الباقي لأسباب من أهمها: أن الكلام مكروه، وأن سماعه في حد ذاته يؤلم ويدمي القلوب ويشوش؛ لأن الشيخ أراد بهذا الكلام الرد على طوائف معينة، ولا أرى بذلك أن يقرأ جميع المسلمين هذه الأمور ولا جميع طلاب العلم، إنما أراد الشيخ أن يبين حقيقة هؤلاء الزنادقة أصحاب وحدة الوجود والاتحاد والحلول، وأن يحذر الناس منهم، خاصة الذين اغتروا بهم، وأن يرد على مذاهبهم التي كانت موجودة في عصره رحمه الله، والآن نراها تنبعث من جديد، ولذلك سنقرأ هذا المقطع كأنموذج لمنهج ابن عربي، ثم نختار مقاطع أخرى لأئمة الضلال والزندقة الآخرين: التلمساني، ابن الفارض، القونوي، ابن سبعين، السهروردي المقتول، ونختار نماذج من مذاهبهم دون أن نتوقف عندها كثيراً، ثم نتجاوز هذا المجلد إلى مجلد آخر، وعلى هذا النحو نسير؛ لأنه ليس المقصود الاستقصاء، المقصود معرفة أصول هذه البدع والضلالات، وأحسن وسيلة للرد عليها هو كشفها، ثم نتجاوز ما فيه تكرار أو تعمق لا نحتاجه، بل ضرره أكثر من نفعه، فعلى هذا سنقرأ هذا المقطع لبيان أمور أنبهكم على ثلاثة منها: الأول: لتلاحظوا مدى التلبيس والخداع في مناهج هؤلاء الزنادقة وأساليبهم، كيف يلبسون الحق بالباطل، ويموهون على غير أهل العلم وعلى من لم يتمكنوا في العقيدة، يصورون الباطل المحض على أنه هو الحق.

الثاني: أننا إذا تأملنا هذه العبارات التي سنقرؤها نجد فيها عبرة وعظة، لنحمد الله عز وجل على نعمة التوحيد والعقيدة، ولنعرف ضرورة النصح للأمة وتحذيرها من مثل هذه الأفكار، فإن في قراءة هذه الأفكار أو نماذج منها عبرة، ثم لنعرف مدى ضلال العقول إذا خذلها الله عز وجل.

الثالث: أن هذه الأمور تخالف بدهيات يعرفها أبسط عوام الناس مخالفة صارخة، ومع ذلك يظنون أنها الهدى، وهذا دليل على أن من حجب الله الحق عن قلبه وطبع على قلبه أنه لا ينتفع بالهدى ولا بالنور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، رغم أنه يستشهد بآيات وأحاديث، ويتقلب بين المسلمين ويسمع وتقام عليه الحجة، ومع ذلك يحجب الله قلبه عن الحق وكأنه لم يشاهد ولم يسمع ولم ير.

هذه نماذج لمذهب رجل واحد هو ابن عربي، يعتبر صاحب مدرسة وحدوية، فُتِنَ بها كثير من الناس، بل اشتبه أمر هذا الرجل -وهذا من العجائب نسأل الله السلامة والعافية- على بعض فضلاء أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>