للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصل العلم الإلهي فطري ضروري]

قال رحمه الله تعالى: [وبينت أن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، وأنه أشد رسوخاً في النفوس من مبدأ العلم الرياضي؛ كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي؛ كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي فما يتصور أن تعرض عنه فطرة، وبسط هذا له موضع غير هذا].

القاعدة الثالثة: قوله: (وبينت أن أصل العلم الإلهي فطري ضروري)، يعني: العلم بالله وكماله على جهة الإجمال فطري وضروري، لا يقصد بذلك على جهة التفصيل، ولا يقصد بذلك تفصيل الشرائع؛ فإن هذا أمر لا يستغني فيه الإنسان عن الشرع والوحي، لكن يقصد الأصل الذي تكلم فيه أهل الكلام، الأصل الذي ضيعوا أوقاتهم وأشغلوا أنفسهم، وأشغلوا المسلمين عن الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمناظرات وجدل وشقاق، مع أنه أمر إلهي وفطري وضروري، أي: العلم بالله وكماله، ولا يقصد بذلك التشريع التفصيلي، أما التفصيل فلابد فيه من الوحي.

فتوحيد الربوبية أشد رسوخاً في النفوس من مبدأ العلم الرياضي، كقولنا: الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي، كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ هذه بدهيات، يعني: أن ما يسعون إليه ويتعبون أنفسهم فيه هو مثل هذه القضايا الرياضية والعلمية المحسوسة، التي لا يمكن أن يتنازع عليها العقلاء، ورغم أن هذه بدهيات، إلا أنه مع ذلك لا يفطن لها كثير من الناس؛ لأنه ليس بحاجة إليها.

كذلك البدهية في توحيد الربوبية هي فطرية، قد لا يستحضرها المسلم دائماً عند عبادته؛ لأنها بدهية، مثلما نكون في النهار والشمس طالعة فلا نحتاج أن يأتي شخص ويرفع صوته ويعلن وينذر ويقول لنا: الشمس طالعة؛ لأننا لا نصل بذلك إلى نتيجة، بل بالعكس قد يكون عند هذا الشخص اضطراب بسبب هذا الإعلان.

فإذاً: هذه العلوم الضرورية فيما يتعلق بالله عز وجل أمر مركوز في الفطر، لا حاجة إلى أن نذكر الناس به بهذه الطريقة الفلسفية التي سلكها المتكلمون، والتي تنفر منها الطباع والعقول السليمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>