قال رحمه الله تعالى: [ولهذا كان هؤلاء لما أتوا بمحبوب الحق من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، المنتظمة للمعارف والأحوال والأعمال، أحبهم الله تعالى، فقال:(ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
فعلوا محبوبه فأحبهم، فإن الجزاء من جنس العمل، مناسب له مناسبة المعلول لعلته.
ولا يتوهم أن المراد بذلك: أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله، فإن هذا ممتنع، وإنما المقصود أن يأتي بما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة، والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما قال بعض السلف: قوة المؤمن في قلبه، وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه، وضعفه في قلبه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(المرء مع من أحب).
وقال:(إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر).
وقال صلى الله عليه وسلم:(فهما في الأجر سواء) في حديث القادر على الإنفاق والعاجز عنه، الذي قال:(لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما عمل)، فإنهما لما استويا في عمل القلب وكان أحدهما معذور الجسم استويا في الجزاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)].
خلاصة هذا الفصل: أن الشيخ أراد أن يقرر أن المعنى الشرعي المطلوب من العباد في المحبة لله والمعرفة واليقين: هو التدين بما شرعه الله عز وجل من الدين واليقين والإيمان، الذي هو أحوال القلب في التوجه إلى الله عز وجل بالمحبة والرجاء والخوف وسائر الأعمال القلبية، وأحوال الجوارح بالعمل بما شرع الله عز وجل، هذا هو غاية الدين؛ لينفي بذلك ما ادعاه المبطلون من أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود من أن الغرض هو التنصل من التوحيد والشرائع، والوصول إلى ما يزعمون أنه الاتحاد والحلول ووحدة الوجود، وهذه المعاني التي ادعاها هؤلاء باطلة ليست هي المعاني الشرعية المقصودة، إنما المعاني الشرعية هي ما يتحقق بها الدين واليقين والإيمان كما شرع الله عز وجل وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.