للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجواب الثاني لأهل السنة على المتكلمين فيما يتعلق بصفات الله الفعلية]

قال رحمه الله تعالى: [والثاني: أن ذلك وإن اقتضى تحولاً من حال إلى حال، ومن شأن إلى شأن، فهو مثل: مجيئه وإتيانه ونزوله وتكليمه لموسى، وإتيانه يوم القيامة في صورة ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص، وقال به أكثر أهل السنة والحديث، وكثير من أهل الكلام، وهو لازم لسائر الفرق].

يعني: الثاني مما يرد به السلف على أهل البدع والأهواء: أن أفعال الله عز وجل وإن سماها أهل الكلام تحولاً من حال إلى حال فإن ذلك دليل الكمال؛ لأن هذا لا يعني النقص، والنقص منفي عن الله جزماً، ثم التحول من حال إلى حال إذا كان نقصاً عند المخلوقات، فليس هذا لازماً في حق الله؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فنحن نعلم يقيناً أن كثيراً من أحوال العباد التي يكون فيها قدرة على التحول من حال إلى حال أنها إلى الكمال أقرب، فلماذا لا يكون الله عز وجل أولى بالكمال، وعلى سبيل المثال: أليس الإنسان الذي يقدر أن يتكلم متى شاء أكمل وأقدر من الذي لا يستطيع أن يتكلم أبداً، أو أحياناً يتعثر في الكلام؟ فلماذا تنسب الكمال للمخلوق وتنفيه عن الله عز وجل، وهذه التعبيرات الأحوال وغيرها تعبيرات يجب أن نتفاداها، لكن لما وقعوا فيها نلزمهم بها؛ نلزمهم بالقواعد العقلية، نقول: الأحوال إذا كانت تدل على كمال واتفقت مع نصوص الكتاب والسنة، فلا شك أن وصف الله بها عز وجل هو الحق بدون تأويل، فالاستواء على العرش كمال، والقدرة على النزول والمجيء أكمل من عدم القدرة عليه، والقدرة على الكلام أكمل، وكون القادر على الكلام يتكلم متى شاء أكمل ممن يقدر، لكن لا يستطيع أن يتكلم إلا أحياناً وهكذا.

فإذاً: وصف الله عز وجل بالصفات الفعلية وإن اقتضى تحولاً من حال إلى حال ومن شيء إلى شيء، فإنه كمال وليس نقصاً، لكن نثبته لله كما يليق بجلاله، واللوازم التي تلزم في التحولات عند المخلوقات لا تلزم في حق الله؛ لأن الله ليس كمثله شيء، ولأن له الكمال المطلق سبحانه، وكذلك اللوازم التي تلزم من الصفات الفعلية، من بعض الجوانب التي يعتبرونها نقصاً، مثل: الحدوث بعد العدم وهكذا، هذه أمور أيضاً بالنسبة لله تدل على الكمال لا على النقص، لكن إذا كانت للمخلوق نقصاً، فالجانب الذي فيه نقص ينفى عن الله، ولا ينفى أصل الصفة التي هي كمال كما يتوهمه هذا المتوهم، يعني: جوانب النقص ينفى عن الله، ولا تنفى عن الله الصفة بذاتها، فالمجيء والإتيان والنزول والتكليم إلى آخره، هذه كلها شئون لله عز وجل، والله هو كل يوم في شأن، والذي يكون كل يوم في شأن أكمل ممن تنقطع الشئون في حالة من الأحوال.

قوله: (وهو لازم لسائر الفرق): هذه مسألة مهمة، وهو أن كل فرقة لابد أن تقر بجانب من هذه الجوانب فتلزم به، وببقية الأمور الأخرى.

فنبدأ بأخف الفرق: الأشاعرة والماتريدية التزموا إثبات سبع صفات لله عز وجل، منها: السمع، والبصر لله سبحانه وهذا حق، بالنسبة لله عز وجل يتعلق بالسمع والبصر المطلق الذي هو الكمال، ويتعلق أيضاً بالمسموعات والمبصرات، والمسموعات والمبصرات تتجدد.

فهم أثبتوا السمع والبصر وفيه الأحوال والشئون والتجدد، فلما جاءوا إلى الاستواء والنزول والمجيء نفوه بدعوى أن هذا يقتضي التجدد والحدوث، نقول: أيضاً السمع والبصر يستلزم التجدد والحدوث، قد يكون السمع والبصر له صفاته المعينة، فنقول: حتى الإرادة، إرادة الله عز وجل إرادة مطلقة وإرادة خاصة بالمرادات وهي المخلوقات، فالله عز وجل إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، كذلك الأشياء تتجدد، والله عز وجل يتجدد له من الشئون في خلقه ما لا يحصى.

إذاً: الإرادة تتجدد لله، تتجدد في مفرداتها لا في كونها صفة لله، في كونها صفة هذه لازمة، لكن متعلقها بالمرادات يتجدد، فلماذا نفيتم تعلق مشيئة الله بالمجيء والاستواء والنزول والصفات الفعلية والكلام لله عز وجل ونحو ذلك، ثم أثبتموها في الصفات الأخرى؟ وهكذا بقية الفرق كالجهمية الذين لا يثبتون لله عز وجل إلا مجرد الوجود، نجد عندهم ما يلزمهم بأن الوجود في حد ذاته يلزم منه أن الموجود لابد أن يكون حياً وقادراً وإلى آخره، أما وجود بدون صفات فيكون عدماً، ويكون نقصاً، فحتى الجهمية الذين لا يقرون إلا بالوجود، نلزمهم من خلال إثبات الوجود، فنقول: أليس من الكمال للموجود أن يكون كذا وكذا وكذا؟ الموجود الحي أكمل من الموجود الميت، أليس كذلك؟! إذاً: إذا اعترفوا بأنه موجود بأنه حي، فالحي من كماله أن يكون قادراً، والقادر من كماله أن يكون مريداً، والمريد من كماله أن يكون سميعاً وبصيراً وهكذا.

قال رحمه الله تعالى: [وقد ذكرنا نزاع الناس في ذلك في قاعدة الفرق بين الصفات والمخلوقات، والصفات الفعلية.

وأما هؤلاء الجهمية الاتحادية فقالوا: وهو الآن على ما عليه كان، ليس معه غيره كما كان في الأزل ولا شيء معه، قالوا: إذ الكائنات ليست غيره ولا سواه، فليس إلا هو، فليس معه شيء آخر لا أزلاً ولا أبداً؛ بل هو عين الموجودات ونفس الكائنات، وجعلوا المخلوقات المصنوعات هي نفس الخالق البارئ المصور.

وهم دائماً يهذ

<<  <  ج: ص:  >  >>