للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول الشيخ عبد القادر الجيلاني في القدر]

قال رحمه الله تعالى: [ولهذا قال الشيخ عبد القادر قدس الله روحه: كثير من الرجال إذا دخلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، وأنا انفتحت لي فيه روزنة، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والولي من يكون منازعاً للقدر لا من يكون موافقاً له].

كلام الشيخ عبد القادر كلام مجمل لسنا بحاجة إليه؛ لكن نظراً لتعلق الصوفية بالشيخ عبد القادر فنقول: هذه الكلمة لها محامل صحيحة وباطلة، فـ شيخ الإسلام رحمه الله أراد أن يجرهم إلى الحق من خلال المحمل الحق الموجود في هذه الكلمة؛ لأن الكلمة تعني عند التأمل الجمع بين الشرع والقدر، وعدم ادعاء التعارض بينهما؛ لأن الصوفية يدعون التعارض، وأنه لا يمكن أن يخضع الإنسان للقدر ثم يلتزم الشرع، فإن خضع للقدر لا بد أن ينسى نفسه، وينسى شهوده بمشهوده، ووجوده بموجوده، إلى آخر العبارات التي هي أقرب إلى الفلسفة منها إلى الحق.

إذاً: كلام الشيخ عبد القادر له محمل حق، فأراد الشيخ أن يجرهم إلى المعنى الحق من خلال هذا المحمل، وإلا فالمؤمن المهتدي صاحب السنة ليس بحاجة إلى هذه المعاني أبداً، وإنما تكفيه ألفاظ الشرع الواردة في الكتاب والسنة، فليس بحاجة إلى مثل هذه المعاني التي تحتاج إلى شرح، وكلها تقوم على التلميح والغموض، والكلام الإشاري، ومع ذلك فهو أراد أن يقرر الجمع بين الشرع والقدر، وأن الولي من يكون منازعاً للقدر، أي: لا يقعد عن الطاعة وعن بذل الأسباب؛ بسبب التسليم للقدر، كما يفعل غلاة الصوفية.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا الذي قاله الشيخ تكلم به على لسان المحمدية، أي: أن المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به، ويدفع ما نهى الله عنه، وإن كانت أسبابه قد قدرت، فيدفع قدر الله بقدر الله، كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض)، وفي الترمذي: (قيل: يا رسول الله! أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل تردُّ من قدر الله شيئاً؟ فقال: هن من قدر الله).

وإلى هذين المعنيين أشار الحديث الذي رواه الطبراني أيضاً عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: (يقول الله: يا ابن آدم! إنما هي أربع: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين خلقي، فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك: فعملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه، وأما التي هي بيني وبينك: فمنك الدعاء، وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين خلقي: فائت إلى الناس بما تحب أن يأتوه إليك)].

<<  <  ج: ص:  >  >>