للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة بطلان قول الاتحادية: (وهو الآن على ما عليه كان)]

قال رحمه الله تعالى: [فالخلق المذكور في هذا الحديث لم يدخل فيه العماء، وذكر بعضهم أن هذا هو السحاب المذكور في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:٢١٠] وفي ذلك آثار معروفة.

والدليل على أن هذا الكلام -وهو قولهم: (وهو الآن على ما عليه كان) - كلام باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع، والاعتبار من وجوه: أحدها: أن الله قد أخبر بأنه مع عباده في غير موضع من الكتاب عموماً وخصوصاً، مثل قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤] إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤].

وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] إلى قوله: {أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧].

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨].

وقال: ((وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ))، في موضعين.

وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦].

{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠].

{وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} [المائدة:١٢].

{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا)، فلو كان الخلق عموماً وخصوصاً ليسوا غيره ولا هم معه، بل ما معه شيء آخر، امتنع أن يكون هو مع نفسه وذاته، فإن المعية توجب شيئين: كون أحدهما مع الآخر، فلما أخبر الله أنه مع هؤلاء علم بطلان قولهم: (هو الآن على ما عليه كان) لا شيء معه، بل هو عين المخلوقات.

وأيضاً فإن المعية لا تكون إلا من الطرفين، فإن معناها المقارنة والمصاحبة، فإذا كان أحد الشيئين مع الآخر امتنع ألا يكون الآخر معه، فمن الممتنع أن يكون الله مع خلقه ولا يكون لهم وجود معه ولا حقيقة أصلاً، بل هم هو].

هذه الحقيقة بدهية، لكن أحياناً في مثل هذه المقالات الشاذة والموغلة في الضلال ينبغي التنبيه على البدهيات، وإن كان التنبيه على البدهيات أحياناً يؤدي إلى إشكال، لكن لا بد منه مادام هذا المذهب وجد ووجد له أتباع ودعاة، والآن دعاة هذا المذهب بدءوا يخرجون أعناق هذه البدعة من حداثيين، وبعض الكتاب الذين يعجبون بهذه المذاهب يسمونها: مذاهب فلسفية، فالشيخ يقرر بدهياً أنه مادام أن الله عز وجل ذكر أنه مع خلقه ومع بعض خلقه، فهذا دليل على أنه مغاير لخلقه، ولله المثل الأعلى لو كان على ما يزعمون أن الله هو الخلق والخلق هو الله، فعلى هذا يكون خطاب الله لنفسه، ولو رأينا شخصاً يخاطب نفسه على أنه غيره لقلنا: إن هذا مجنون، فكذلك هم حكموا على الله عز وجل بمثل هذه الصورة الشنيعة في حق الله، كما كانت اليهود تفعل، الله عز وجل يقول: {إِنِّي مَعَكُمْ} [المائدة:١٢]، ويخاطب عباده على أنه معهم جملة ومع بعضهم في المعية الخاصة، ثم يقولون: هم هو، أين عقولهم؟ إذا كان الله عز وجل قد أعمى بصائرهم عن تدبر آيات الله، فأين العقول التي تميز بين الواضحات والبدهيات؟ فهؤلاء تجاوزوا البدهيات العقلية، ما كأن عندهم عقولاً، بل استخدموا عقولهم لدفع هذه البدهيات.

قال رحمه الله تعالى: [الوجه الثاني: أن الله قال في كتابه: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:٣٩].

وقال تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء:٢١٣].

وقال: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨].

فنهاه أن يجعل أو يدعو معه إلهاً آخر ولم ينهه أن يثبت معه مخلوقاً، أو يقول: إن معه عبداً مملوكاً أو مربوباً فقيراً، أو معه شيئاً موجوداً خلقه، كما قال: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص:٨٨]، ولم يقل: لا موجود إلا هو، أو لا هو إلا هو، أو لا شيء معه إلا هو؛ بمعنى: أنه نفس الموجودات وعينها].

من هنا ندرك مدى خطأ المتكلمين من الأشاعرة الماتريدية الذين فسروا لا إله إلا الله: بأنه لا موجود إلا الله، ولا إله في الوجود إلا الله، نحن نقول: لا إله، أي: لا معبود بحق، فتفسيرهم لا إله إلا الله، بمعنى: لا موجود، أو لا إله في الوجود إلا الله.

هذا خطأ.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا كما قال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:١٦٣]، فأثبت وحدانيته في الألوهية، ولم يقل: إن الموجودات واحد، فهذا التوحيد الذي في

<<  <  ج: ص:  >  >>