هذه وصية امرأة لابنتها تعلمتها من الفطرة ومن معترك الحياة، فالفطرة لا تصادم الشرع، والإسلام دين الفطرة، فإن قال قائل: هذه امرأة جاهلية فكيف توصي بتلك الوصية التي تستقيم مع الشرع؟ فنقول: إسلامنا دين فطرة، تقول أمامة بنت الحارث لبنتها في ليلة زفافها: أي بنية! احفظي عني عشراً تكون لك حرزاً: الصحبة بالقناعة، وحسن المعاشرة بالسمع والطاعة، والتعهد لموضع عينه، ولموضع أنفه، فلا يشم منك إلا أطيب ريح ولا تقع عينه على قبيح، والكحل من أطيب الطيب، والماء أحسن الحسن، ولا تفشي له سره، ولا تعصي له أمره، فإن أفشيت سره أوغرت صدره، وإن لم تطيعي أمره لم تأمني غدره، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مغضبة.
ثم قالت لها: قومي على حفظه وحفظ أبنائه، واحفظي له ماله.
ثم تقول: كوني له أرضاً يكن لك سماءً، كوني له مهاداً يكن لك عماداً، كوني له أمة يكن لك عبداً، لا تلتصقي به فيكرهك، ولا تبتعدي عنه فينساك، لا يشم منك إلا طيباً.
فهذه امرأة جاهلية تعلم بنتها حق الزوج على زوجته، وحق الزوجة على زوجها، فيا ليتنا نعلم بناتنا تلك الوصايا، بل تجد الآن من يوصي بنته ويقول لها: اذبحي له ليلة الدخلة قطة سوداء، وكوني معه عنيفة، وإن أمرك لا تطيعي أمره، وآخر أمر في زمن الإحن وزمن الرويبضة يخرج علينا من يقول في أجهزة مسموعة ومقروءة ومكتوبة: الإسلام أعطى المرأة نصف الميراث، وجعل شهادتها نصف شهادة الرجل فهذه من الجاهلية، أما الآن فالمرأة قد خرجت وتعلمت، وزاحمت الرجال، وعملت مثله، فلا بد أن تحصل على كامل الميراث، ولا بد أن تكون شهادتها كشهادة الرجل تماماً بتمام! وهذا كفر يناقض صريح القرآن، ورب العالمين يقول:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النساء:١١].
ويقول:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}[البقرة:٢٨٢]، لكن في هذا الزمن يقولون للمرأة: لا فرق بينك وبين الرجل؛ فأنت وهو سواء بسواء، فضيعوا عفافها، ونزعوا خمارها، ونزعوا جلبابها، وأقحموها في الحياة حتى عمت الفوضى والبلاء، وساد الزنا، نسأل الله العفو والعافية.
إخوتي الكرام! بعد أن عرفنا حقوق كل طرف على الآخر هيا بنا نعلمه الزوجات لننجو بأنفسنا يوم العرض على رب البريات، فربنا يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:٦].
ويقول صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).