للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آداب طالب العلم مع شيوخه]

من آداب طلب العلم: أن يطلب العلم على يد شيخ، وهناك أقوام يقولون: ما حاجتنا إلى العلماء، عندنا الآلات الحديثة: السيديهات، الأشرطة، الكتب، لا حاجة لنا إلى العلماء، وما ضاعت الأمة إلا بعد العلم، وما تفرقنا إلا بعد العلم، وهناك من يقول: نبلغ العلم.

البلاغ مطلوب، لكن تبلغ بعد أن تعلم، يقول البخاري: باب العلم قبل القول والعمل، فقبل أن تبلغ لا بد أن تعلم ما تبلغ، حتى لا تبلغ جهلاً، فلا بد أن تبدأ بالعلم، فاعلم أنه لا إله إلا الله، فالعلم يسبق القول والعمل.

يقولون في أدب طالب العلم مع العلماء: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه.

ومن دخل إلى العلم وحده خرج من العلم وحده.

ولا تأخذوا العلم من صحفي، ولا القرآن من مصحفي.

كل عالم من علماء السلف كان له شيخ وشيوخ يتعلم على أيديهم، فكان ابن عباس يذهب إلى بيت زيد بن ثابت ليسأله، فينام على باب داره حتى يخرج إليه، أدب مع العلم، فلما تقدم به العمر علم الصحابة أن ذلك الغلام كان أفقههم لدين الله؛ لأنه اجتهد في طلب العلم، ولن تجد عالماً ليس له شيوخ إلا علماء الكتب، وهذه الكتب لا تخرج شيوخاً، الكتاب مطلوب، لكن لا بد من مدارسته على يد شيخ، فالعلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، والعالم يسهل لك الطريق.

ومن آداب طالب العلم مع شيخه: ألا يكثر عليه في السؤال، وألا يسير أمامه، ولا أن يجلس قبله، وألا يناديه باسمه مجرداً، وإنما يقول يا شيخنا، يا شيخي.

أحبتي الكرام! هذه آداب لطالب العلم مع شيخه، وهناك آداب لتلقي العلم من بطون كتب السلف، بحفظ المتون والمختصرات، وأن تبدأ رويداً رويداً، فمن دخل إلى العلم جملة، فقد العلم جملة، كما يقولون.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

من آداب طالب العلم مع شيخه: ألا يذكر عالماً آخر بسوء.

يقول ابن عساكر: اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب.

فلا يجوز لطالب العلم أن يتتبع عورات العلماء، أو أن يعرض بأسمائهم، نعم ربما يخطئ العالم فلك أن تصوب، ولكن دون تجريح ودون أن تذكر أو تعرض، لذلك كان علماؤنا يحرصون على هذا الأدب، فالأدب مقدم على طلب العلم، فقبل أن تبدأ العلم لا بد أن تتعلم الأدب، ولذلك إخوتي الكرام جاءت الآيات القرآنية تعلمنا هذا المنهج حينما اتبع موسى الخضر، فماذا قال له؟ {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:٦٦]، أدب في الاستئذان، وأدب في الاتباع، وأدب في الطلب.

وربنا سبحانه حينما قال لعيسى: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} [المائدة:١١٦]، كان الجواب أن يقول: لم أقل، ولكنه من باب الأدب قال: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١١٦].

ويوسف عليه السلام أدباً مع إخوته، وتلطفاً بهم بعد أن عاد إليهم وعرفوه وعرفهم، قال عن فضل ربه عليه: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف:١٠٠]، رغم أنهم ما وضعوه في السجن، فلم يذكر الجب وذكر السجن أتدري لماذا؟ لأن ذكر الجب سيستدعي الآلام مع إخوته فيذكرهم بما صنعوه، فذكر السجن ولم يذكر الجب تأدباً وتلطفاً.

وسئل العباس عم رسول الله عليه الصلاة والسلام: أأنت أكبر أم رسول الله؟ فمن باب الأدب قال: رسول الله أكبر مني، وأنا أسن من رسول الله، هذا هو الأدب.

فطالب العلم ينبغي أن يتعلم الأدب مع شيخه، والأدب في كيفية الطلب، والأدب في التعامل مع الكتاب، والأدب في كيفية تلقي العلم، فهذه آداب هامة نحيلكم فيها إلى كتاب أستاذنا الفاضل بكر أبو زيد في كتابه القيم (حلية طالب العلم) ويوم فقدت الأمة هذه الآداب عمت الفوضى، وساءت الأخلاق وهذا يطعن في ذاك، وذاك يجرح هذا.

وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم ارزقنا حسن الأدب، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً.

نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، استر عوراتنا، آمن روعتنا.

اللهم نسألك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا.

اللهم علمنا القرآن وخلقنا به، وارزقنا حب القرآن، وارزقنا فهم القرآن، وارزقنا عطاء القرآن ونور القرآن.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا.

ا

<<  <  ج: ص:  >  >>