للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيذاء بالعين والحسد]

أما الإيذاء بالعين فتوضحه الآية الكريمة: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم:٥١]، أي: ينظرون إليك تغيظاً وحقداً وحسداً، لماذا؟ {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم:٥١]، أي: عند سماعهم للقرآن، وهذا يجرنا للحديث عن العين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام مسلم: (العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لكانت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا)، وفي الرواية الأخرى: (العين حق، أدخلت الرجل القبر، والجمل القدر)، أي: أن العين إذا نفذت فربما تدخل الرجل القبر بقدر الله، وتدخل الجمل القدر بقدر الله، لذلك يقولون: إنه كان هناك قبيلة فيها هذه الصفة الذميمة، فإذا مرت بهم ناقة واشتاقوا إلى أكل اللحم، قال أحدهم: ما أجمل هذه الناقة، ما أروعها، فلا تعدو خُطاً حتى تسقط في الحال، وربما أعدوا سكيناً لها قبل أن يتكلم فتنفذ عينه في الحال! ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يرقي الحسن والحسين فيقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين سامة، ويقول: كان إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق).

وينزل جبريل ليرقي النبي عليه الصلاة والسلام فيقول: (بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن كل حاسد وعين الله يشفيك).

وفي الحديث عند الإمام أحمد وابن ماجه والحديث صحيح: (أن سهل بن حنيف خلع ملابسه ليغتسل يوماً، فرآه عامر بن ربيعة - وكان سهل أبيض البشرة - فقال كلمة حسداً منه، فنفذت عين عامر إلى سهل، فسقط من طوله، وظل يضرب الأرض بقدمه ويتخبط، فحملوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من تتهمون فيه؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة يا رسول الله، قال: ائتوني به، ثم قال صلى الله عليه وسلم -بعد أن أمر عامراً أن يتوضأ- مستنكراً على عامر علام يقتل أحدكم أخاه؟! هلا إذا نظرت إليه وأعجبك بركته -أي قلت: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله- ثم اغتسل -أي: توضأ عامر - فغسل ركبتيه وأطراف قدميه وداخل حقويه، -أي: داخل الإزار- ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالماء فسكب على سهل من خلف ظهره، فقام سليماً معافى بإذن الله)، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا استغسلتم فاغسلوا).

ومن أسباب دفع العين أن يغتسل وأن يتوضأ الحاسد العائن ليغتسل بفضل مائه المحسود المعيون، وهذا أيضاً ثبت عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، والحسد من أمراض القلوب الفتاكة، وقلما تجد قلباً يخلوا من الحسد، والحسد: هو تمني زوال النعمة عن الغير وهذا المرض هو الذي دفع بعض العلماء ليكتب عن تحاسد العلماء، وأحياناً قد تجد القرناء يتصارعون حسداً فيما بينهم، وهذا لا ينبغي أن يكون، لكن الغبطة موجودة، ولذلك ما الذي دفع إخوة يوسف ليأخذوه وهو غلام بلا عطف ولا رحمة ويلقوه في الجب وحيداً؟! إنه الحسد، يقول الله تعالى مصوراً ذلك: {قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف:٨ - ٩]، فانظر ماذا صنع الحسد؟ فقد يقتل الأخ أخاه حسداً.

وكذلك ما الذي دفع ابن آدم ليقتل آخاه كما في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة:٢٧]؟ لماذا؟ ما ذنبه؟ إنه لم يرتكب إثماً، لكن تجد دائماً من وفقه الله في عمل ما محسوداً، بل دائماً وأبداً تجد عيوناً تتبع، وتقذف، وتعقد، وتشيع، وتحطم حسداً، {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} [المائدة:٢٧ - ٣٠] الخبيثة والحاسدة، {قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:٣٠]، الله أكبر! فالحسد يدفع للقتل.

وما الذي دفع إبليس بأن يرفض السجود لآدم؟ إنه الحسد، قال تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢].

وما الذي جعل بني إسرائيل يرفضون ملك طالوت؟ إنه الحسد، قال تعالى: {

<<  <  ج: ص:  >  >>