للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الإقبال على مجالس العلم والإعراض عنها وذكر الأحوال التي تجوز فيها الغيبة]

كان النبي عليه الصلاة والسلام في مجلس علم، ودخل إلى مسجده ثلاثة نفر: أما الأول فوجد فرجة في حلقة العلم فجلس في الفرجة، لذلك من آداب طلب العلم أن نجلس على هيئة حلق، لا أن نتشرذم ونتبعثر، فوجود صف في الأول وصف في الآخر، وثالث في آخر المسجد ورابع في الخارج هذا منهي عنه، لا بد لطلاب العلم أن يجتمعوا وأن يتقاربوا، كما كان يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بذلك، فالأول وجد فرجة فجلس فيها، والثاني جلس بعيداً عن حلقة العلم استحياءً، والثالث خرج معرضاً عن حلقة العلم بغير عذر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما الأول أقبل فأقبل الله عليه، وأما الثاني استحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث أعرض فأعرض الله عنه).

الإعراض عن مجالس العلم إعراض عن الله، والإقبال عليها إقبال على الله، ربما يقول قائل وقد سمع الحديث، كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الثالث أعرض فأعرض الله عنه) والرجل غير موجود، أليست هذه غيبة؟ وهذا كلام يحتاج إلى إجابة، يقول العلامة ابن حجر: وهذه لا تعد من الغيبة؛ لأن الغيبة لا تعد غيبة في ستة مواضع لا بد أن تعرفها، يقول العلماء: القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ومجاهر فسقاً ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر القدح ليس بغيبة في ستة أحوال: أولاً: متظلم: ظلمك فلان فذهبت تشكوه إلى ولي الأمر أو إلى من بيده الحل والعقد، فتقول: فلان ظلمني، أخذ مالي، فعل بي كذا، ليس في حضوره، فأنت الآن تذكره رغم عدم وجوده، فلا يعد هذا غيبة.

ثانياً: ومعرف: ربما تذكر رجلاً فيعجز الناس عن معرفته، تقول: محمد بن أحمد بن علي، فلا أحد يعرفه، فقلت: الأعرج، فعرفه الناس بهذا اللقب، ولكن لا تقل: الأعرج على سبيل السخرية والتعريض، ولكن على سبيل التعريف.

ثالثاً: ومحذر: رجل يأكل أمول الناس بالباطل، كلما أخذ مالاً لا يرده، فجاءك يقترض منك مبلغاً، فقلت له: أمهلني وجئت تسأل: يا فلان ما رأيك في معاملة فلان؟ هل إن حذرت منه تكون غيبة؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي جاءت وقالت: (يا رسول الله تقدم لخطبتي معاوية وأبو جهم فمن أتزوج؟) والكثير من الناس الآن حينما يسأل عن زوج أو غيره لا يقول الحقيقة وهذا جهل مركب، ليس بسيطاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما معاوية فصعلوك لا مال له -أي: لا يقدر على أعباء الزواج، ولا يتحمل الباءة والإنفاق- فلا تتزوجيه، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)، يعني: ضراب يضرب النساء كثيراً فلا تتزوجي هذا ولا هذا، فهذه ليست غيبة.

رابعاً: مستفت: يطلب الفتوى في مسألة بينه وبين رجل، فيذكر عنه أنه كذا وكذا.

خامساً: ومجاهر فسقاً: أي: رجل يجاهر بالمعصية، لا بد أن تحذر منه.

سادساً: ومن طلب الإعانة في إزالة منكر: ذهبت إلى ولي الأمر فقلت: إن عند فلان منكراً، فطلبك للإعانة في إزالة المنكر ليس بغيبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (أما الآخر أعرض فأعرض الله عنه) ليست غيبة؛ لأنه يحذر من صنيعه كما قال العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>