[تفسير قوله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن)]
قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦]، والمعنى: أنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن، فإذا نزلوا وادياً استجاروا بسيد هذا الوادي من الجن، مع أن الجن تخاف من الإنس وتفرق منهم، فلما علمت الجن أن الإنس يستجيرون بهم أرهقوهم إثماً وذعراً؛ ولذلك لا يتعامل مع الجن إلا مذعور خائف، فالله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:٧٦]، أما نحن الآن فقد جعلنا كيد الشيطان عظيماً، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:٢٠٠] يا عبد الله! تحضر الجن في بيتك ولا تحضر الملائكة؛ لأن الملائكة لا تكون إلا في بيت فيه قرآن، وليس فيه تصاوير وليس فيه مفسدون وليس فيه غناء، بل فيه ذكر وطاعة.
يقول أسيد بن حضير: اشتقت إلى قراءة القرآن وأنا على راحلتي.
ما هذا الحب؟ يشتاق للقرآن وهو يركب الدابة، فربط الدابة وعليها ولده الصغير، ونزل يقرأ القرآن.
يقول: فأخذت أقرأ في سورة البقرة، فكلما قرأ تحركت الدابة، وكلما سكت سكنت الدابة، فخاف على ولده أن يقع، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما رأى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ أسيد! فإنها الملائكة تنزل لسماع القرآن)، فعمر البيت بالقرآن، قد يقول قائل: يا شيخ! البنت مسحورة، أقول: انظر إلى البنت تلبس بنطلوناً وتسمع الغناء ولا تصلي، وهي متبرجة، ولا تعرف من دينها شيئاً، ولا تقرأ القرآن أبداً، لا تحفظ حتى سورة الإخلاص.
إذاً: هي بنفسها جنية، ونعوذ بالله من حالها، فكيف تذهب لتعالج مثل هذا الصنف؟ يا رجل! اتق الله في نفسك، إن بيوتنا تحتاج إلى أن تكون فيها الملائكة، لا أن يكون الجن فيها.
الملائكة تشهد قراءة الإمام في الفجر وتستمع للقرآن، قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨]، وفي الحديث الصحيح: (تجلس الملائكة على باب المسجد بعد أن يصعد الإمام إلى المنبر، فتطوي الصحف تستمع الذكر) فهي تستمع الخطبة الآن، وأنا أعلم أن العلماني يقول: انظروا إلى هذا الشيخ! إنه يقول: الملائكة على الأبواب! فأقول: يا علماني يا خبيث! إن الذي أخبرنا بذلك هو المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، فهل نصدقه أم نصدقك؟ أنا أعرف أنك ستجلس غداً وتقول: عجيب! يتصورون أن الملائكة على الأبواب! ألم أقل لكم: إن هؤلاء رجعيون، متزمتون، متحجرون، يريدون لنا أن نعيش في عصور الظلام، لكني أقول: ماذا صنعت أنت بحضارتك العفنة؟ ضيعت الأمة، وأوديت بحياتها وخلفتها خلف الأمم، وانظر كيف كانت الأمة في عهد سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة؟ كانت الريادة والسيادة لهذه الأمة، فجئت أنت وألصقتها بالوحل والتراب بحضارتك المزعومة.
فقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ} [الجن:٦] يبين لنا أن نحذر من التعامل مع الجن، قد يقول قائل: هل يجوز أن أسخر الجني المسلم؟
الجواب
لا، هذا الراجح من أقوال العلماء؛ لأن سليمان عليه السلام قال: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:٣٥]، فتسخير الجن كان لسليمان، أما غير سليمان لا يجوز له أن يسخر الجن؛ لأن الله قال: {لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:٣٥].
فإن كنت تقول: أنا أستخدم الجن في دفع المفاسد، فابعث يا أخي! الجن إلى القدس بارك الله فيك، وابعثهم إلى بغداد، أصلح الله حالك، ابعثهم إلى الشيشان.
سلط الجن على أعدائنا! أسألك بالله وأستحلفك به هل استعان النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق بالجن؟ هل استعان بهم في بدر، في أحد، في حنين، في تبوك؟ أبداً ما استعان بهم؛ ولذلك أقول لك: لا ينبغي لك أبداً أن تتعامل بهذه الطريقة.
وقوله: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦] أي: إثماً وذعراً وخوفاً وتعباً ونصباً.