[آداب طالب العلم مع نفسه]
ننتقل في عجالة إلى آداب طلب العلم، العلم هو درة في هذا الشرع المطهر، فينبغي أن نتحلى بآدابه، وأن نتخلى عن آفاته، فما هي آداب طلب العلم؟ هناك آداب للطالب في نفسه: أولاً: ينبغي أن يكون مخلصاً في طلبه للعلم.
فلا يطلب العلم ليماري به العلماء، وليجادل به السفهاء، وليلفت به أنظار الناس إليه، حتى يقال: العالم العلامة، والبحر الفهامة، والأستاذ كذا وكذا، يسعى للشهرة ولا يسعى لرضا ربه عز وجل، ولذلك من الثلاثة التي تسعر بهم النار: عالم طلب العلم لغير الله، فيدنيه الله ويعرفه نعمه ويقول له: (علمتك العلم فماذا صنعت به؟ يقول: يا رب ما تركت مكاناً إلا وعلمت الناس فيه، فيقول: كذبت، إنما تعلمت العلم وعلمته ليقال عنك: عالم، وقد قيل، خذوه على وجهه إلى النار).
إذاً: طالب العلم لا بد أن يفتش في النية، ونية المرء خير من عمله، ولذلك يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
ثانياً من آداب طالب العلم في نفسه: أن يكون سلفياً، على منهج السلف الصالح.
فلا ينتمي إلى فرق الضلال والبدع، ولا إلى جماعات حزبية تدعو إلى العنصرية والبغضاء، وتشيع في الناس التفرقة، وإنما طالب العلم سبيله القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فكن يا طالب العلم من أتباع السلف الصالح على منهج أهل السنة والجماعة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، فتعرف على منهج أهل السنة، من هم أهل السنة؟ وما هي عقيدتهم أو منهجهم في الخلاف؟ وما هو منهجهم في الاعتقاد؟ وما هو منهجهم في العبادات؟ وما هو منهجهم في دراسة الفقه؟ أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، فإياك أن تكون مع أهل البدع والأهواء يا طالب العلم.
ثالثاً: أن تعرض عن مجالس اللغو.
فطالب العلم سمته واضح بين، لا يكون مع البطالين، ولا يجلس على المقاهي، ولا يذهب إلى مباراة، ولا يجلس في مكان لهو وعبث، إنما طالب العلم له سمت ينبغي له أن يتحلى بهذا السمت؛ لأنه محسوب على العلم والعلماء.
رابعاً: طالب العلم لا يعرف الكبر إنما يعرف التواضع، وينبذ الخيلاء؛ لأنه كلما ازداد علماً ازداد تواضعاً.
وكما قلنا: العلم ثلاثة أشبار، من حصل الشبر الأول تكبر، ومن حصل الشبر الثاني تواضع، ومن حصل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم، فلا تكن أبا شبر، وما أكثر أبي شبر، أبو شبر حينما يحصل الشبر الأول يتكبر، إنما العالم كلما ازداد علماً ازداد تواضعاً، فإن سمعت من يقول: أنا أعلم، أنا أفضل، فكبر عليه أربع تكبيرات من غير ركوع ولا سجود؛ لأنه في عداد الأموات، فطالب العلم لا يعرف الكبر؛ لأن الكبر مرض من أمراض القلوب، فلا تنظر إلى الناس كأنهم أدنى منك، وأنهم بعوض، وجرذان، وضفادع، وأنت في برج عالٍ.
أين أنت من أصحاب رسول الله؟ هذا عمر -وما أدراك ما عمر - يقول: لو نودي يوم القيامة: كل الناس يدخلون الجنة إلا واحداً، لخشيت أن أكون أنا هو.
وأبو بكر يقول: لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارج الجنة ما أمنت مكر الله عز وجل.
هذا هو الخوف من الله، وخشية حبوط العمل وعدم قبوله، وخوف الرياء والسمعة، وخوف عدم ارتفاع الأعمال إلى الله، طالب العلم وجل خائف يلازم الخشية، يلازم المراقبة، هذا هو طالب العلم، ثم يتأمل فمن تأمل أدرك، ومن ثبت نبت، تثبت على طريق ولو كان وعراً، هذه آداب لطالب العلم في نفسه، وهناك آداب لطالب العلم مع شيخه.