[عدم قبول الدليل لوجود ما يعارضه أو لعدم الوثوق به]
السبب الثاني: عدم قبول الدليل، بأن يكون عنده دليل لكنه يعارض بدليل أقوى منه، من ذلك: ما حدث بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع فاطمة بنت قيس.
وما حدث مع علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما مع سبيعة الأسلمية، كان ابن عباس وعلي يريان أن عدة المرأة التي مات عنها زوجها أطول الأجلين بمعنى إذا مات الزوج والزوجة حامل فعدتها إن وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر عليها أن تنتظر إلى تمام الأربعة الأشهر وعشر، وإن وضعت الحمل بعد الأربعة أشهر وعشر عليها أن تنتظر حتى تضع الحمل، يعني: أطول الأجلين، وهذا مخالف تماماً لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث سبيعة في البخاري: أنها نفست بعد موت زوجها بأيام، فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج؛ لأن الله يقول:{وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:٤]، وهذه الآية مع آية البقرة:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:٢٣٤]، حاول ابن عباس وعلي أن يجمعا بين الآيتين بعموم وخصوص، لكن لما جاء الدليل في حديث سبيعة سلما في الحال؛ لأن الدليل حجة في القضية، والدليل واضح الدلالة، بيّن لا شبهة فيه.
وفاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاث طلقات فبانت بينونة كبرى، ثم أرسل لها شعيراً مع وكيله نفقة، فسخطت ذلك الشعير، يعني: كرهته؛ لأنها تريد أكثر من ذلك، فلما وصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ولا سكنى)، بمعنى: المطلقة ثلاث طلقات لا نفقة لها ولا سكنى، إلا إذا كانت حاملاً فينفق عليها حتى تضع الحمل، أو كانت حاضنة، يختلف الأمر، لكن عمر كان يقول: للمطلقة ثلاثاً نفقة وسكنى، ويقول: أنترك ديننا وكتاب ربنا لقول امرأة قد تنسى وقد تصيب.
إذاً عدم قبول الدليل ربما يدفع العالم لرده، والصواب كما تعلمون ما ثبت عند البخاري من حديث فاطمة:(أن المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ولا سكنى)، والإمام النووي بوّب لهذا الحديث باباً.