قال الله تعالى:{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}[نوح:٦]، نتيجة عكسية، فكلما دعا إلى الله فروا منه.
أعتقد لو أن داعية منا جاء من مسافة مائتي كيلو فيرى اثنين فقط يحضرا الدرس لاستنكف عن ذلك، ولربما قال: أنا أحتاج إلى جمهور كبير، وإلى مُكبِّر أصوات، لا يا عبد الله، فواحد فقط يجلس بين يديك ليستمع ادعه، فربما يكون في هذا الرجل الخير دون أن تشعر، ثم قال الله عز وجل:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}[نوح:٧]، دعوتهم لماذا؟ لتغفر لهم، الله أكبر! فإلى ماذا نحن ندعو القوم؟ نحن ندعو القوم إلى الصلاة، الزكاة، الاحتشام والالتزام بالحجاب، عدم أكل الربا، امتثال أوامر الله، عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، فهذه دعاوى لا أحد يطعن فيها إلا من كان في قبله مرض، وصدق الله حينما جاء لوط إلى قومه يدعوهم إلى ترك الفاحشة، وعدم إتيان الذكور من دون الإناث، والمجاهرة بذلك في قارعة الطريق، قالوا:{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[النمل:٥٦]، فالتهمة أنهم يتطهرون، ثم انظر إلى قولهم:{مِنْ قَرْيَتِكُمْ}[النمل:٥٦]، أي: أن البلد بلدنا، وهؤلاء شرذمة وعصبة تخرج عن الشرعية والقانون، وقوله:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[هود:٢٧]، أي: حفنة قليلة عاطلة لا تقدم ولا تؤخر، وليس لهم رأي، ولا يشكلون شيئاً في المجتمع، فهذه أوصاف وشعارات نجدها في زمننا اليوم، فدائماً وأبداً دعاة الطهارة هم الذين يضطهدون ويُخرجون من مجتمعات المعصية، فاثبت يا مسلم على الطريق، فهذا الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة يدون ويكتب العلم بعد أن تقدم به السن، هذا الإمام الذي ولد ببغداد ومات ببغداد وشيع جنازته ألف ألف رجل، أي: مليون موحد تبعوا جنازة ابن حنبل، وكان يجلس يومها ليحدث الناس في بغداد، مات ابن حنبل سنة (٢٤١هــ) في عهد الدولة العباسية، وذلك أيام أن كانت بغداد عاصمة للخلافة الإسلامية في عهد الدولة العباسية، واليوم يجتمع الجنرالات الأمريكيون في عقر دار بغداد ليخططوا لأمر: هو من يدفع الفاتورة؟ والذي يدفع الفاتورة معلوم، ولكننا لا نفقه إلا بعد فوات الأوان، ولا نعلم إلا بعد أن تقع المصيبة، قوم لا يفقهون هذا سمت أهل النفاق، أما أهل الإيمان فيعرفون، فيا عبد الله رجل جاء ليعتدي ويسرق بالبلايين، الإحصائية تقول: مائة وتسعة وثلاثين بليون دولار أنفقت على هذه المعركة، لابد من أخذ المقابل، وإلا أكون سفيهاً، أنفق مائة وتسعة وثلاثين بليوناً ولا أحصل على جنيه واحد، فلن أخرج حتى آخذ الفاتورة وفوائد الفاتورة وما بعد الفاتورة، وهذا كلام لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، ولكن القوم أحياناً لا يفقهون، أو يفقهون ويصرون على عدم الفقه.