تفسير قوله تعالى: (فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً)
الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين.
وبعد: فقد نسينا أن نذكر: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل:١٤] هذا من علامات الساعة: تتزلزل الأرض، وترتجف، وتتشقق السماء، وتنتثر نجومها، وينفرط عقدها، ولذلك يقول ربنا: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل:١٨] أي: أن السماء ستتشقق يوم القيامة.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} [المزمل:١٥ - ١٧] أي: كيف تتقون هذا العذاب؟! {إِنْ كَفَرْتُمْ} [المزمل:١٧] أي: بعد كفركم وبعد إعراضكم، كيف تتقون: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل:١٧]، الطفل الصغير الرضيع يشيب في هذا اليوم من شدة ما يرى من العذاب: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢].
يا عبد الله! صدق من قال: إن قلتها مت، وإن لم تقلها مت، فقلها ومت، لقد أرسل المأمون إلى الإمام أحمد لما فتن بفكر الاعتزال، والمأمون هو أحد خلفاء العصر العباسي الأول، دفع عليه الاعتزال علماؤهم حتى أقنعوه أن القرآن مخلوق، فامتحن الناس، وأرسل إلى الإمام أحمد مع محمد بن نوح الذين أبوا أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، وحملهم المأمون في بعير كل في ناحية يعني: أحمد في ناحية ومحمد بن نوح في ناحية أخرى على بعير واحد، وقد ذهبوا إلى المأمون فجاءه أحد الناس وقال له: يا أحمد لقد سل المأمون سيفاً لم أر مثله قبل ذلك قط، وعزم على قتلك إن لم تستجب لأمره بأن القرآن مخلوق، فهذا الذي هدده وتوعده: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:١٧٣].
جاءه أحد من العلماء وهو على البعير وقال: يا أحمد أنت الآن رأس أمة، فإن زللت فستزل الأمة معك، وأنت في الحالتين ميت، فاصبر على إيذائه، فإن قلتها ستموت وإن لم تقلها ستموت، وزلة العالم زلة عالم، فاحذر يا أحمد أن تكون رأساً للفتنة، واصبر على إيذائه، يقول الإمام أحمد: فثبتني بقوله: وطمأن قلبي، وبينما أنا في الطريق إلى المأمون وقد عرفت أنه عزم على قتلنا بالسيف الذي أعد، قلت: يا رب إن كان كلامك غير مخلوق فلا تجمع بيني وبين المأمون في الدنيا بعد اليوم، فأتى الصارخ في ثلث الليل أن المأمون قد قبضه الله، الله أكبر! هؤلاء هم العلماء الربانيون، الذين إذا دعوا الله عز وجل استجاب لهم، مات المأمون ثم جاء بعده المعتصم ثم ابتلاه أيضاً، وحبسه أكثر من ثمانية وعشرين شهراً، ثم جاء المتوكل بعد الواثق فأطلق سراحه، وقال: أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يبلغ ما شاء الله أن يبلغ، ودافع عن منهج السلف، وعاد أحمد ليرفع الرأس، وأذل الله أئمة الكفر، وهذه سنة الله سبحانه في أصحاب الدعوات، لا يمكن بحال أن تكون للظالم دولة أبداً مهما طال، ومهما طال سواد الليل لا بد من طلوع الفجر، وبعد ألم المخاض وضعاً وبعد العسر يسراً، وبعد الضيق فرجاً.
أسأل الله سبحانه أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم ول أمورنا خيرنا.
اللهم آمنا في أوطاننا.
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.
يا رب لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.