للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً)

قال الله على لسان نبيه نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:٥]، إذاً فالدعوة لا تقتصر على خطبة على المنبر، أو على موعظة في المسجد، فالدعوة إلى الله عز وجل في كل وقت وفي كل زمان، فالمدرس قبل أن يبدأ الشرح يقول: باسم الله، توكلنا على الله.

ثم يحدث الأولاد عن مسألة في العقيدة؛ ليبين لهم العقيدة الصحيحة، ويربط بين النظريات العلمية وبين بعض الأمور الشرعية، وإذا أذن الظهر أمرهم بالإنصات والاستماع للمؤذن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)، وهذا نبي الله يوسف في السجن مظلوم، لأنه رفض الزنا، وهذا دأب مجتمعات الفاحشة، رجل يرفض الزنا مصيره إلى السجن، وبعد أن شهد الشاهد وقامت الأدلة وعرف الزوج الديوث أن زوجته متهمة قال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} [يوسف:٢٩] الله أكبر! يا خيبة الرجال! استغفري، أنت عبرت عن رأيك، أرأيتم الرجل؟ لم يأخذ موقفاً حماسياً أو انفعالياً لعرضه، {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:٢٩]، لم تعملي شيئاً، ثم قالت الزوجة لزوجها عبارة نجدها في مجتمع الفراعنة، فيتخذ القرار فرعون، وتصنع القرار المرأة، ففرق بين صناعة القرار واتخاذ القرار، فالاتخاذ للأكبر، والصناعة للمرأة، ولازم الاستماع لها-: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ} [يوسف:٢٥]، أي: نسجنه، فهي أرادت السجن، فسمعاً وطاعة لها، ولا يستطيع الرجل أن يخالفها؛ لأنها الآمرة، ولذلك سجن يوسف بضع سنين؛ لأنه أبى الفاحشة في مجتمع الفاحشة، وصدق من قال: اثنان لا يشعر بهما كثير من الناس: موت الفقير، وفجور الغني.

فالفقير حينما يموت لا يشعر به أحد، والغني حينما يفجر يفجر خلف الأسوار دون أن يراه أحد، لكن مع هذا كله دعا يوسف إلى الله عز وجل وهو في السجن، ولم يظل يائساً قانطاً، وهكذا المسلم داعية إلى الله في السجن، وفي المترو، وفي الأوتوبيس، وفي كل مكان، فالدعوة إلى الله شغله الشاغل، هواؤه، تنفسه، نومه، استيقاظه، حركاته دعوة إلى الله، ولهذا يوم أن يكون هذا هو المنهج ستنجو الأمة بفضل الله عز وجل.

فإن سمعت كلمة في المسجد فبلِّغ: (بلغوا عني ولو آية)، فنحن أمة بلاغ ودعوة، والأمر فيها لكل أفرادها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠]، فلو رأيت تاجراً لا يصلي فقل له: تعال، لماذا لم تصل؟ ادعه بالحسنى، تودد إليه بزيارة، بعيادته إن مرض، عند ذلك سيسمع كلامك، وسيدخل المسجد، وكن كالنخلة يرميها الناس بالحجارة فتعطيهم رطباً جنياً، فهذا هو الداعية الفعال في المجتمع لا الداعية السلبي، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} [القصص:٢٣]، يعني: جماعة من الرجال يسقون، {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:٢٣]، أي: تبعدان عن الحوض بغنمهما، فماذا قال لهما؟ {مَا خَطْبُكُمَا} [القصص:٢٣]، فهذا هو الداعية، ولم يقل: أنا مالي أو غيرها من الألفاظ السلبية، لا، ولذلك حتى لا تغرق السفينة، فنحن نركب سفينة واحدة كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم ركبوا سفينة)، فالسفينة تحمل المصلي وتارك الصلاة، المزكي وتارك الزكاة، المحجبة المنتقبة والمتبرجة المبنطلة، العلماني والسلفي، فتحمل الكل في تيار واحد، (فقال الذين في أسفلها -أي: المتحللين من الشرع-: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً لنحصل على الماء حتى نشرب)، أي: لازلنا نصعد الدور الثاني، فلماذا لا نخرق خرقاً في نصيبنا، (فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً، وإن تركوهم غرقوا وغرقوا جميعاً)، فيا من تخرقون السفينة سيغرق الجميع، لكن لن نترككم أبداً، وإنما سنأخذ على أيديكم بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم، وإن آذيتمونا، وإن أعرضتم وأغلقتم الآذان المنافذ سنقول، ونعلن، ونواصل، فإن الله قال على لسان نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>