أرسل لي أحد الإخوة ورقة جزاه الله خيراً وأرجو أن يكون موجوداً، قال: في الجمعة الماضية قلت: إن سعيد بن المسيب كان يصلي الفجر بوضوء العشاء، وإن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة، وإن الشافعي فعل كذا، وهذا يخالف السنة؟
الجواب
لو أن الأخ الفاضل تريث قليلاً وقرأ كلام العلماء لكان أولى، فإن التعجل قبل بحث المسألة من الآفات الكبيرة في طلب العلم، فقد أجاب عن هذا السؤال الإمام النووي في كتابه القيم: التبيان في آداب حملة القرآن، قال: وكيف نقول: إن فلاناً ختم في يوم، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يختم القرآن في أقل من ثلاث.
فكان الأولى أن يقرأ السائل هذا الكتاب، لاسيما أن كثيراً من علماء السنة أوردوا هذه النصوص في كتبهم، والشيخ سيد عفاني في كتابه (صلاح الأمة) أتى بأقوال أكثر من هذه، والدكتور محمد إسماعيل المقدم أتى بأقوال في كتابه (علو الهمة) أكثر من هذه، قال الإمام النووي: ومضاعفة الأعمال الصالحة جائز لشرف المكان والزمان.
المعنى: أنك إذا كنت في شهر رمضان يمكن أن تضاعف الجهد في قراءة القرآن مرات ومرات؛ لأن رمضان لا يكون إلا مرة واحدة في السنة، وإذا كنت في عمرة وستستمر العمرة يومين وقد تعودت ألا تختم القرآن في أقل من ثلاث، فلماذا لا تختم القرآن خلال هذين اليومين لشرف المكان، وفي ليلة القدر لماذا لا تضاعف الجهد حتى تصلي ما شاء الله لك أن تصلي.
فالكلام يا أخي الفاضل الذين نقلناه من الكتب ورأينا رأي العلماء فيه، لم ننقله هكذا دون أن نحقق أقوال العلماء فيه، وفعل بعض الأمة ليس معناه أنه قدوة وأسوة، فإن أسوتنا هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المشرع لنا، وأفعاله تشريعية، ومن ضمن كلام الأخ أنه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأتزوج النساء، وأنام)، والنووي لم يتزوج.
أقول: هناك من العلماء من كتب كتاباً سماه (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج)، وليس هذا دعوة إلى أن تكون عازباً لا تتزوج، ولكن ربما ينشغل شخص بالعلم لدرجة أن الزواج بالنسبة له لا يمثل شيئاً؛ فقد تحكم في نفسه.
إذاً: المسألة متعلقة بحالة المكلف، فعلى الأخ السائل الكريم أن يعود إلى أقوال العلماء في هذه النصوص، وعلى أي فهم فهموها، وكيف خرجوها؟ ولكن لابد أن تعلم أنه ليس منا أحد معصوم، وأقسم لك بالله أنا لن نستطيع أن نصل إلى طلب العلم الشرعي إلا إذا كان عندنا جرأة أن نقول: إننا أخطأنا، فالذي يتكبر على التصحيح، هذا كبرّ عليه أربعاً دون ركوع ولا سجود؛ لأنه من الأموات، إن أخطأتُ فلابد أن أقول: أخطأتُ، والصواب كذا، ها هو الشيخ الألباني في كتابه (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) يكتب في الهامش: وكنت قد كتبت كذا، وأرسل لي أخي العلامة الدكتور بكر أبو زيد بكذا، والحق معه، فأعود عن قولي، هذا هو العلم، وليس معنى هذا أنني لا أريد أن أقول: إني أخطأت إن كان هناك خطأ، لكني أقول: هناك من العلماء من حاول أن يجمع النصوص وأن يوفق بينها، والله تعالى أعلم.