[تفسير قوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه)]
جاءت الآيات بنداء إلى خير الأنام عليه الصلاة والسلام؛ فقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب بدء الوحي من حديث ابن عباس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه خلف جبريل حينما ينزل عليه؛ خوفاً من تفلت القرآن من صدره، فقال له ربه: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [القيامة:١٦ - ١٧])، وهذا الجمع في صدر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هو الجمع الأول للقرآن.
وقوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:١٦]، في الآية أدب لطالب العلم، يقول السعدي في (تيسير الكريم الرحمن): وفي الآية أدب لطالب العلم ألا يتعجل العالم، وألا يقطع عليه موعظته، فإن كنت في درس علم وتريد أن تسأل سؤلاً فانتظر إلى آخر كلامه، فربما أجاب عما تريد أثناء الحديث، وهذا كثير يقع، فبمجرد أن ندخل في موضوع إذا بطالب العلم يرفع يده يريد أن يقطع الكلام؛ ليسأل عن شيء سيأتي بعد قليل، فلا تتعجل، فهذا أدب بين العالم وبين المتعلم، ومثل ذلك قول الله في سورة طه: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:١١٤].
واسمع العجب من بعض من ينسبون إلى التصوف في عهدنا حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ القرآن قبل أن ينزل عليه جبريل؛ لأنه كان يحرك لسانه، وكان يتعجل به قبل أن يقرأه جبريل، فكان يعلم القرآن قبل أن ينزل عليه.
نقول: يقول سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨]، ولما قال له جبريل: اقرأ، قال: (ما أنا بقارئ).
هذا قول أحد أقطاب الطريقة البرهانية في أحد كتبه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم القرآن قبل أن ينزل عليه فهو يفهم من الآية فهماً خاصاً لم يفهمه أحد من السلف على الإطلاق، وما قال به أحد من العلماء المعتبرين في الأمة، ويقولون: إن علمهم علم لدني، بوحي وإلهام، ويقولون: أنتم لكم علم الورق ونحن لنا علم الخرق.
قيل لرجل منهم: ألا ترحل لتسمع الحديث من عبد الرزاق صاحب المصنف في اليمن؟ قال: وما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يتلقى من الخلاق؟ هؤلاء أقوام يقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي.
حتى إن أحدهم ذهب إلى الصعيد ثم جاء يقول لي: ما لنا وما للبخاري، ومسلم، وابن كثير؟ احرق الكتب يا شيخ! فقلت له: لم؟ قال: العلم اللدني هو طريق التعلم.
ففي عصرنا من يقول هذا، وتفتح له كل المجالات ليضل الأمة، ويبتدع في دين رب العالمين.
وللحديث بقية في اللقاء القادم إن شاء الله.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.