تفسير قوله تعالى: (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً)
قال الله تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:٤] أي: اقرأ القرآن مرتلاً مترسلاً، على مهل، وتدبر ما تقرأ، فالتعجل بقراءته ليس من السنة، كان النبي عليه الصلاة والسلام يقيم الحروف، ويمدها، ولا يكن همك آخر السورة بقدر ما يكون همك هو التدبر والتأمل.
قال عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:٤]، قال العلماء: والترتيل هو إعطاء كل حرف حقه ومستحقه.
أي: أنك تخرج الحرف من مخرجه، وتقرأ بترتيل وبتدبر، قال ابن الجزري: والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم ثم يقول تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥] (قولاً ثقيلاً) هناك أربعة آراء للعلماء منها: الأول: أن الوحي حينما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفصد جبينه عرقاً في اليوم الشديد البرودة من ثقل الوحي عليه، يقول زيد بن ثابت: (كنت أجلس بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، وقدمه تعلوا قدمي فأنزل الله عليه من سورة النساء: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:٩٥]، فقال ابن أم مكتوم -وكان رجلاً أعمى-: يا رسول الله إني أحب أن أجاهد ولا يمنعني من الجهاد إلا أنني أعمى، فكيف لا أستوي مع المجاهد، فأنزل الله: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:٩٥] يقول زيد: فكادت قدمي تتحطم من ثقل رسول الله)، هذا من ثقل الوحي الذي ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥].
وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:٢١]، فما بالنا نسمع القرآن والقلوب لا تتحرك، أصبحت قلوبنا أقسى من الجبال في صلابتها، قلوبنا تجمدت وتحجرت، ماذا حدث للقلوب أيها الإخوة الأحباب؟ لقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سورة مريم، فوصل إلى قول الله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:٥٨]، فنزل وسجد وسجد الناس معه، فصعد بعد ذلك، فنظر إلى الوجوه فلم يجد أحداً يبكي، فقال: أيها الناس هذا السجود فأين البكاء؟! الله سبحانه يقول: (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) أنتم سجدتم لكن أين البكاء؟ صفتكم ليست هي الصفة المطلوبة، من جمود العين وقسوة القلب، اسمع لـ عبد الله بن الشخير يقول: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء من خشية الله)، أزيز المرجل: هو الماء الذي يغلي، هكذا كان يسمع لصدر النبي عليه الصلاة والسلام من البكاء من خشية الله، لم يبك بصوت مرتفع، إنما كانت الدموع تنحدر على خده عند قراءة القرآن، وهذا شعار المتقين ودأب الصالحين، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله أقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري، فقرأ ابن مسعود من سورة النساء، حتى وصل إلى قول الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤١ - ٤٢] فقال النبي لـ ابن مسعود: حسبك، قال: فنظرت إلى وجهه فإذا عيناه تذرفان الدموع)، والشاهد من النص أن ابن مسعود لم يدر ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما نظر إليها، فلم يسمع صوت بكاءه، إنما نظر إلى وجهه فوجد دموع النبي صلى الله عليه وسلم على خده.
القول الثاني للعلماء: أنه ثقيل في أحكامه، في أوامره في نواهيه، {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥]، أي: أن أوامر القرآن كبيرة، لكن على العصاة، أما الذين خففها الله عليهم يستقبلون الأوامر في سعة ورحابة صدر وخفة.
القول الثالث للعلماء: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥] أن قيمته ليس ككل الأقوال، وإنما له قيمة عظيمة.