وصف اليهود الله عزَّ وجلَّ بالجهل في عدة مواطن من كتابهم، منها: قولهم في قصة آدم وحواء بعد أن أكلا من الشجرة كما في (سفر التكوين)(٣/ ٨): (وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني فأكلت). فيتضح من كلامهم هذا أن الله عزَّ وجلَّ لم يعلم بآدم حين أكل من الشجرة، ولم يره حين أكل، بل لم يعلم بمكانه بعد أن اختبأ في الجنة. فهل يصحُّ أن يقول أحد: إن الله العليم بكل شيء، والذي لا يغيب عن سمعه وبصره شيء مهما خفي ودقَّ، يخفى عليه أمر آدم على هذه الحال التي ذكر اليهود؟ فلاشك أن ذلك من تحريفهم. ولو نظرنا في كلام الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم عن هذه الحادثة لوجدنا الفرق الشاسع بين التعبيرين ودلالتهما. ففي القرآن يقول الله عزَّ وجلَّ: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُما أني لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُما أن الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: ١٩ - ٢٣] ففي هذا النص الكريم ما يتناسب مع كمال علم الله وكمال سمعه وبصره، وأنه محيط بكل شيء، فحالما أكل آدم وزوجته من الشجرة ناداهما ربهما قائلاً: أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُما أن الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ [الأعراف: ٢٢] فلم يسأل آدم أين هو؟ ولا من أعلمه أنه عريان؟ وهل أكل من الشجرة؟ كما يزعم اليهود. كما أن جواب آدم في القرآن الكريم هو الجواب اللائق بالنبي الكريم، حيث اعتذر مباشرة بأنه معتدٍ في هذا الأكل، وسأل الله المغفرة والرحمة، وهذا هو اللائق بآدم العبد الصالح والنبي الكريم، لا ما ذكره اليهود من أنه ألقى باللائمة على زوجته، وحمَّلها وحدها المسئولية.
ومن وصفهم الله عزَّ وجلَّ بالجهل أيضاً زعمهم أن الله عزَّ وجلَّ يجب أن توضع له علامة؛ ليستدل بها عليهم حيث قالوا: إن الله أمرهم قبل خروجهم من مصر أن يلطخوا أبوابهم: العتبة العليا والقائمتين بالدم، ويعللون ذلك بقولهم:(فإن الربَّ يجتاز ليضرب المصريين فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين يعبر الرب عن الباب، ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب). (سفر الخروج)(١٢/ ٢٣). وهذا باطل؛ فإن الله جلَّ وعلا عالم الغيب والشهادة يقول سبحانه عن نفسه: عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سبأ: ٣].