حكى جماعة من المتكلمين أن الكينوية زعموا أن الأصول ثلاثة: النار والأرض والماء، وإنما حدثت هذه الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين اللذين أثبتهما الثنوية.
قالوا: والنار بطبعها خيرة نورانية, والماء ضدها في الطبع, فما كان من خير في هذا العالم فمن النار، وما كان من شر فمن الماء, والأرض متوسطة, وهؤلاء يتعصبون للنار شديدا من حيث إنها علوية نورانية لطيفة، لا وجود إلا بها، ولا بقاء إلا بإمدادها, والماء يخالفها في الطبع فيخالفها في الفعل, والأرض متوسطة بينهما، فتركيب العالم من هذه الأصول والصيامية منهم أمسكوا عن طيبات الرزق، وتجرَّدوا لعبادة الله، وتوجَّهوا في عباداتهم إلى النيران؛ تعظيما لها.
وأمسكوا أيضا عن النكاح والذبائح.
والتناسخية منهم قالوا بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من الراحة والتعب والدعة والنصب فمرتَّب على ما أسلفه من قبل وهو في بدن آخر؛ جزاء على ذلك.
والإنسان أبدا في أحد أمرين: إما في فعل وإما في جزاء وما هو فيه فإما مكافأة على عمل قدمه، وإما عمل ينتظر المكافأة عليه.
والجنة والنار في هذه الأبدان، وأعلى عليين درجة النبوة، وأسفل السافلين دركة الحية، فلا وجود أعلى من درجة الرسالة، ولا وجود أسفل من دركة الحية.
ومنهم من يقول: الدرجة الأعلى درجة الملائكة، والأسفل دركة الشياطين.
ويخالفون بهذا المذهب سائر الثنوية، فإنهم يعنون بأيام الخلاص رجوع أجزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد، وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم.