التوبة عند النصارى لا تتمُّ إلا بالاعتراف بالذنوب والخطايا أمام القس أو الكاهن في الكنيسة، ثم يمسحه هذا الكاهن فتغفر ذنوبه. ثم إن ذلك تطور حيث قُرر في المجمع الثاني عشر سنة (١٢١٥) م, أن الكنيسة الكاثوليكية تملك حق الغفران للذنوب، وتمنحه لمن تشاء. فاستغلت الكنيسة والقسس هذا الأمر، وطبعوا صكوك الغفران، وباعوها وربحوا من ورائها أموالاً طائلة، وهذه الصكوك يغفر فيها جميع الذنوب السابقة واللاحقة، وتخلص صاحبها من جميع التبعات والحقوق التي في ذمته. وهذا وصمة عار في جبين النصارى، ومظهر من مظاهر تلاعبهم وعبثهم؛ لأن من المعلوم أن الإنسان لا يتجاوز ويتسامح عما لا يملك، فكيف يسقط الكاهن أو القسيس حقوق الآخرين التي في ذمة الإنسان، وأكبر منها وأعظم الذنوب التي يرتكبها الإنسان مخالفاً بها أمر الله ومتعدياً حدوده، فمغفرتها حقٌّ لله عزَّ وجلَّ وحده. فهل الله جلَّ وعلا عاجز عن تولي ذلك؟ أم أنه غائب لا يدري؟ أم أن البابوات والقسس أعلم منه بخلقه؟ أم هم أرحم منه بخلقه؟
لاشك أن كل ذلك غير حاصل، وإنما هو جرأة على الله وتعد على حقوقه جلَّ وعلا، واستعباد لخلقه، وتأليه لأنفسهم وتعظيم، ومما لاشك فيه أن أعظم رجاء للإنسان وأمل هو أن يغفر الله له ذنوبه ويتجاوز عن سيآته وخطاياه، فإذا جعل البابوات والقسس هذا الأمر بأيديهم، فإنهم يحولون بذلك بين الخلق وربهم، ويحجبونهم عنه فلا يسألونه، ولا يرجونه وتصبح آمالهم معلقة بأمثالهم من الناس في الخطيئة والجهل والنقص.