للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب السابع: البشارة بإيلياء: ومن الأسماء التي رمز الكتاب المقدس بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم (إيلياء) وهي وفق حساب الجمّل اليهودي تساوي (٥٣) (١).

وهو أيضاً اسم لنبي عظيم أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى بني إسرائيل، وكان ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد، وهو الذي يسميه القرآن إلياس.

وفي آخر أسفار التوراة العبرانية يتحدث النبي ملاخي في سفره القصير عن عصيان بني إسرائيل وعن إيليا أو إيلياء القادم الجديد، وهو غير إلياس الذي كان قد توفي منذ سبعة قرون، فيقول ملاخي بأن الله يقول: (هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود.

من يحتمل يوم مجيئه، ومن يثبت عند ظهوره؛ لأنه مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار ... (ملاخي ٣/ ١ - ٢).

فالنص في سفر النبي ملاخي يتحدث عن اثنين:

أحدهما: الذي يهيئ الطريق أمام القادم من عند الرب.

والثاني: هو الذي يأتي بغتة إلى الهيكل، ويسميه: السيد، وملاك العهد. وهو الذي يطلبه بنو إسرائيل وينتظرونه.

وفي آخر سفره يقول ملاخي، وحديثه مازال متصلاً عن هذا القادم، وعن تبديل بني إسرائيل وكفرهم، فيقول: (اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام. هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن) (ملاخي ٤/ ٤ - ٥).فقد سمى ملاخي النبي القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوريب، والتي ذكر فيها موسى النبي القادم مثله من بين إخوة بني إسرائيل، قال المفسر صاحب (تحفة الجيل): (إن إيلياء الرسول المذكور في آخر سفر ملاخي هو ملغوز، وهذا هو حبر العالم الذي يأتي في آخر الزمان) (٢).

ويرى النصارى أن النبي الذي يمهِّد الطريق هو يوحنا المعمدان المسمى بإيليا في النص يقول مرقص: (كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك .. كان يوحنا المعمدان يعمد في البرية ... وكان يكرز قائلاً: يأتي بعدي من أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه، أنا عمدتكم بالماء، وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس، وفي تلك الأيام جاء يسوع .. ) (مرقص ١/ ٢ - ٩)، وهو ما نقله لوقا عن لسان المسيح: (بل ماذا خرجتم لتنظروا، أنبيًّا؟ نعم أقول لكم: وأفضل من نبي، هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك؛ لأني أقول لكم: إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه) (لوقا ٧/ ٢٦).

فالممهِد للطريق- حسب رأي النصارى- هو يوحنا المعمدان، والممهد له المنتظر هو عيسى عليه السلام.

ويعتبرون الأول إيليا؛ لقول متى على لسان المسيح في سياق حديثه عن يوحنا المعمدان: (ماذا خرجتم لتنظروا. أنبياً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي، فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه ... لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبئوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع) (متى ١١/ ٩ - ١٥).


(١) (أ=١، ي=١٠، ل=٣٠)، وهو ما تساويه كلمة أحمد (أ=١، ح=٨، م=٤٠، د=٤).
(٢) انظر ((الفارق بين المخلوق والخالق))، عبد الرحمن باجي البغدادي، (ص٦٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>