لقد خدع ثعالب المستشرقين جواسيس الغرب كثيراً من الناس، فظنوا أن مهمة المستشرقين تنحصر فعلا في تلك الأهداف النبيلة والمجالات النافعة، وأنهم ليسوا جواسيس الغرب أو طلائع الاستعمار ومقدماته في ديار المسلمين، ولكن حينما نظرت الشعوب الإسلامية إلى الأفعال الحقيقية التي تصدر تباعا على أيدي المستشرقين علموا يقينا أن المهمة التي يخوض المستشرقون غمارها لم تكن طلب الحق والمعرفة والحياد في ذلك، وإنما هم حقيقة جواسيس لشعوبهم وحكامهم، وأن مهمتهم هي الاطلاع على كل أحوال المسلمين ودراستها دراسة شاملة، ومعرفة مدى قوة المسلمين وأماكن ضعفهم، والإسهام في تفريق كلمتهم، وبذر أسباب النزاع، وإيقاع الفتن بينهم، وملاحقة كل حركة إصلاحية، وتوجيه الدعايات السيئة ضدها، وإحياء البدع والخرافات بين المسلمين، وإعادة طبع الكتب التي تشتمل عليها، والإشادة بها، مثل كتب الصوفية الخرافية، وكتب ابن عربي والحلاج وغيرهما من دعاة الضلال، كما تتمثل مهمتهم في إحياء النعرات الجاهلية والقوميات، وسائر التراث الجاهلي والحضارات الجاهلية، وحبك الخطط والمؤامرات، فلا ينبغي الالتفات إلى زخارف أقوالهم ودعاياتهم الباطلة أنهم على الحياد، أو أنهم طلاب معرفة وبحوث علمية عن الشرق الإسلامي، وللإنصاف نذكر أن بعض المستشرقين كان هدفه فعلا الاطلاع والدراسة، دون أن يكون مدفوعا من قبل التبشير، ولهذا نجد في كلام كثير منهم ذكر الحقائق بإنصاف، وبعضهم دخل في الإسلام، وكانت لهم جهود واضحة في خدمته، وهم قلة قليلة جدًّا.