[المطلب الثالث: بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء:]
إن دعوى الصلب والفداء مناقضة في الحقيقة للشرع والعقل، فمما يبين ذلك ويدل على بطلان دعواهم- إضافة لما سبق- أن يقال لهم:
١ - إن آدم عليه السلام الذي يزعمون أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عزَّ وجلَّ: ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:١٢٢]. وقد قبل الله توبته. كما أنه عوقب عليه السلام بإخراجه من الجنة وتأثر أبناؤه بالعقوبة، وإن لم يكونوا مقصودين بها.
كما أورد اليهود في كتابهم أن الله قال لآدم: (لأنك يوم تأكل من الشجرة موتا تموت) سفر التكوين (٢/ ١٧). وقد وقع هذا لآدم بعد الأكل من الشجرة بإخراجه وزوجته من الجنة إلى الأرض ثم موتهم فيها، فقد عوقبا بذلك، كما ينص اليهود على إخراجهما من الجنة إلى الأرض التي فيها الكد والتعب. فمن أين أتى النصارى بفرية خطيئة آدم، وأحيوها هذا الإحياء، وألبسوها هذا اللبوس؟!!!
٢ - إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له، وهذا ذنب منه في حقِّ الله عزَّ وجلَّ الذي نهاه عن الأكل منها، فالذنب بهذا لم يكن يلزم للتكفير عنه أن ينزل الرب جل وعلا ليصلب على الصليب، بعد أن يُهان ويُذل من أجل أن يرضي نفسه، بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط، وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القرآن الكريم.
٣ - أن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيرا بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عزَّ وجلَّ والاستهزاء به، وعبادة غيره جلَّ وعلا، والإفساد في الأرض بالقتل، ونشر الفساد والفتن، وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك، فهذه أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام. فعلى كلام النصارى أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم.
٤ - إن صلب المسيح الذي هو الله في زعمهم- تعالى الله عن قولهم- قد تمَّ بلا فائدة تذكر، فإن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم إنما ما يقلق الإنسان ويخيفه ذنوبه وجرائمه، وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم.
٥ - إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم، وسأل الله أن يغفرها له، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى.
٦ - إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح بناء على كلامهم هذا, كانوا يدعون إلى ضلالة، وقد أخطؤوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة، ويوعوهم بخطورتها، كما يفهمها النصارى.
٧ - إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة؛ لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى.
٨ - إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً، فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه.
٩ - إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه، ولا يستحقون هم العقوبة عليها؛ لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره، بل هذا ينافي قواعد العدل، وقد نصَّ الله عزَّ وجلَّ على هذا في القرآن الكريم بقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:٣٨]. وكذلك ورد في التوراة (لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل). سفر التثنية (٢٤/ ١٦).
١٠ - هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟ والمسيح في زعم النصارى ابن الله، فهو ليس من جنس بني آدم، فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة؛ لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم.