للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١ - أن المسيح في زعم النصارى ابن الله، فأين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه، ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة؟!

١٢ - في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وأن المصلوب المهان الملعون- تعالى الله عن قولهم، وتقدَّس- هو الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه، فهل يوجد كفر أعظم من هذا، وافتراء على الله أكبر من هذا؟ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:١٣٩].

١٣ - هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه، ويسمح لأبغض أعدائه إليه اليهود قتلة الأنبياء، والرومان الوثنين أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه؟ ثم هو يفعل هذا؟ لماذا؟ لأجل أن يرضي نفسه؟ لأجل من؟ من أجل عبيده؟

هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال، بل يجب أن يستعاذ بالله من الشيطان الرجيم عند مرور مثل هذا الخاطر والوسواس، ويقال: سبحانك هذا بهتان عظيم!

١٤ - حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس برًّا وفضلاً على النصارى والبشرية عموماً اليهود والرومان والواشي بالمسيح؛ لأنهم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح، وهو الموت على الصليب.

١٥ - إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه، مما جعل اليهود يغضبون عليه، فيعلقونه على الصليب.

١٦ - بناء على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه، فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك؛ لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه، مثل من كان عليه دين فجاء أحد من الناس فقضى ذلك الدين عنه، فالمطالبة تسقط عنه بمجرد القضاء، وهذا ما لا يقول به النصارى مخالفين في ذلك دليل العقل.

١٧ - إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع على الجسد البشري الذي حمل الخطيئة، وأن هذا الجسد مات. دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم، فلو كان تجسد لأجل تحمل الخطيئة، فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه.

١٨ - إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه، ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية؛ لأن الدور الذي تجسد من أجله قد أدَّاه وانتهى، ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه، وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون.

بعد هذا كله من حق الإنسان أن يتساءل: هل النصارى على درجة كبيرة من الذكاء والخبث الشيطاني الذي جعلهم يُغلِّفون بغضهم لله عزَّ وجلَّ، وبغضهم للمسيح عليه السلام بهذه الدعاوى الكاذبة التي يظهرونها، ويُصرون على التمسك بها بدون أدنى دليل عقلي أو شرعي، زاعمين أنهم يعبرون بذلك عن شدة حبهم لله عزَّ وجلَّ وشدة حبهم للمسيح أيضاً؟!

أم أنهم على درجة شديدة من الغباء والحمق الغالي الذي جعلهم لا يميزون بين ما هو ثناء وحب حقيقي، وبين ما هو طعن وسخرية وبغض وأحقاد تنفث على الله عزَّ وجلَّ وعلى نبيه المسيح عليه السلام؟

وصدق الله القائل: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:٨].

وفي ختام الكلام على هذه العقيدة الباطلة لابد من الإشارة إلى أن الديانة النصرانية كلها تقوم على مسألة الصلب، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها، إذ ليس في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب الناس إليها، وليس فيها ما يمكن أن يتحدث فيه، ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون عليها تركيزاً شديداً، وهي مسألة: الصلب والفداء، وذلك بإيحائهم للناس أنهم هالكون مردودة عليهم أعمالهم مغضوب عليهم منذ ولادتهم وقبل أن يولدوا، مما يجعل الإنسان الجاهل بحقيقة الأمر يحس بثقل عظيم على كاهله من تلك الرزية والخطيئة التي لم يكن له دور فيها، ثم إنهم بعد أن يوقعوا الإنسان فريسة الشعور بالذنب والخطيئة، وتأنيب الضمير، والخوف من الهلكة، يفتحون له باب الرجاء بالمسيح المصلوب، فيزينون له ذلك العمل العظيم الذي قام به المسيح لأجل الناس، ويدعونه إلى الإيمان به، فإذا كان ممن لم يتنور عقله بنور الهداية الربانية ونور الإسلام يجد أن هذه هي الفرصة العظيمة التي يتخلص بها، وما علم المسكين أن الأمر كله دعوى كاذبة وخطة خبيثة للإيقاع به وأمثاله.

المصدر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص ٣٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>