المصادر المقدسة لدى الجينيين هي خطب مهاويرا ووصاياه، ثم الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والعرفاء والرهبان والنساك الجينيين، وقد انتقل هذا التراث المقدس من جيل إلى جيل عن طريق المشافهة، ثم خيف ضياع هذا التراث أو ضياع بعضه أو اختلاطه بغيره، فاتجهت النية إلى جمعه وكتابته، واجتمع لذلك زعماء الجينية في القرن الرابع قبل الميلاد في مدينة (باطلي بترا) وتدارسوا هذا الأمر، وجمعوا بعض هذا التراث في عدة أسفار، ولكنهم اختلفوا بعضهم على بعض في المصادر، كما لم ينجحوا في جمع الناس حول ما اتفقوا عليه، ولذلك تأجَّلت كتابة القانون الجيني حتى سنة (٥٧) م، فدوَّنوا آنذاك ما استطاعوا الحصول عليه بعد أن فقد كثير من هذا التراث بوفاة الحفاظ والعارفين، وفي القرن الخامس الميلادي عقدوا مجلسا آخر بمدينة (ولابهي) حيث تقرر الرأي الأخير حول التراث الجيني المقدس.
أما لغة هذا التراث فكانت اللغة المسماة (أردها مجدى)، فلما اتجهت النية إلى حفظه وتدوينه اختيرت اللغة السنسكريتية لهذا الغرض، وكانت لغة (أردها مجدى) هي لغة هذا التراث قبل الميلاد، أما اللغة السنسكريتية فقد حلَّت محلَّها في القرون الميلادية الأولى.
وسنختار من هذا التراث المقدس بعض نماذج تشرح لنا أهم اتجاهات الفلسفة الجينية:
اليواقيت الثلاثة:
يقول الجينيون: إن الحياة الدنيا تعاسة مستمرة وشقاء متصل، نعيمها زائل والعيش فيها باطل، نطمح فيها إلى الخير فننال شرا، ونبتغي السعادة فتصيبنا الشقاوة حتى نموت ولم تنته حسراتنا! ثم نحيا حياة قد كسبتها أيدينا، خيرها تهلكة فكيف بشرها، وتدوم عجلة الموت والحياة فيا لنا من خاسرين، ولا دواء إلا بأن ننزع عنها، ونزهد في الحياة وترفها، ولكن هنا شيء يجعلنا نتمسك بالحياة، ويزين لنا باطلها، ما هو؟ إنه الغواية ( Mittyaina) التي تخلق العقائد الفاسدة، والأخلاق السيئة، والجهل المشين، وهذه تكسو الروح بظلام، ويتراكم الظلام فتعمى الروح، وتسير على غير هدى، تحب الحياة وشهواتها، وتسير في طريق الضلال، وتظل الروح على هذا الوضع بين الموت والولادة، حتى ينبثق النور إما من أعمال الروح بطريق الصدفة أو الإلهام، وإما بقيادة العرفاء والمبشرين وهدايتهم، وليس هذا النور إلا السبيل المثلث أو اليواقيت الثلاثة التي من اتبعها وصل إلى بر السلامة، وهذه اليواقيت هي:
١ - الياقوتة الأولى: الاعتقاد الصحيح، وهو رأس (النجاة)، ويقصدون به الاعتقاد بالقادة الجينيين الأربعة والعشرين، فإن ذلك هو المنهج المعبد والصراط السوي، ولا يكون الاعتقاد الصحيح إلا إذا تخلصت النفس من أدران الذنوب اللاصقة بها، والتي تحول دون وصول الروح إلى هذا الاعتقاد.
٢ - الياقوتة الثانية: العلم الصحيح، ويقصد به معرفة الكون من ناحيتيه المادية والروحية، والتفريق بين هذه وتلك، وتختلف درجة المعرفة باختلاف قوة البصيرة وصفاء الروح، ويستطيع الشخص الذي يفصل أثر المادة من قوته الروحية وإشراقها أن يرى الكون في صورته الحقيقية، وتنكشف لديه الحقائق، وترتفع عنه الحجب الكثيفة، فيميز الحق من الباطل، والظن من اليقين، ولا تشتبه عليه الأمور، ولا يكون العلم الصحيح إلا بعد الاعتقاد الصحيح.
٣ - الياقوتة الثالثة: الخلق الصحيح، ويقصد به التخلق بالأخلاق الجينية من التحلي بالحسنات، والتخلِّي عن السيئات، وعدم القتل وعدم الكذب وعدم السرقة، والتمسك بالعفة، والزهد في الملكية.
واليواقيت الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض، وإذا اكتملت في إنسان فإنه يجد لذة لا تعدلها لذة، وسعادة ليس مثلها سعادة.