للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: النبي دانيال يتنبأ بزمان الملكوت:]

وقد نقل الكتاب المقدس بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت، ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها، ففسَّرها له النبي دانيال فقال: (أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جدًّا وقف قبالتك، ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد، والبعض من خزف.

كنت تنظر إليه إلى أن قطع حجرا بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان.

أنت أيها الملك ملك ملوك؛ لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء ... فأنت هذا الرأس من ذهب.

وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد؛ لأن الحديد يسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء، وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد، فبعض المملكة يكون قويًّا والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين، فإنهم يختلطون بنسل الناس .....

وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد؛ لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين) (دانيال ٢/ ٢١ - ٤٥).

يقول (هودجكن) في كتابه (المسيح في كل الكتب): (وأما الحجر الذي قطع بغير يدين ويسحق التمثال العظيم فكناية عن مملكة (المسيا): أي: المسيح المنتظر).وفي التفسير التطبيقي: (وأما الحجر المقطوع من الجبل فيشير إلى ملكوت الله الذي يحكمه المسِيَّا ملك الملوك إلى الأبد). (١)

فالرؤيا كما يظهر هي عن الممالك التي ستقوم بين يدي بني الملكوت، فأولها مملكة بابل التي يرأسها بختنصر، والتي يرمز لها في الحلم بالرأس الذهبي.

ثم مملكة فارس التي قامت أقامها خسرو، وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (٥٩٣ ق. م)، ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين من فضة.

ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وأسَّسها الإسكندر المقدوني (٣٣٦) ق. م، ويرمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس. ثم تلتها إمبراطورية الرومان، والتي أسَّسها الإمبرطور بوفبيوس (٦٣) ق. م، ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين: إحداهما من خزف، وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أو انقسام الإمبراطورية الرومانية (٢).

(وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً)، فقد جاء الحجر الذي رذله البناؤون وقد قطع بغير يدين، إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم، وأقام الملكوت الموعود في الدنيا قروناً طويلة، ولم ينقطع بأس هذه الأمة إلا في هذا القرن الأخير.

ولعل في هذه النبوءة ما يبشِّر بكون هذا الكسوف عرضاً زائلاً ما يلبث أن يزول، فتشرق شمس أمة الإسلام من جديد.


(١) ((التفسير التطبيقي)) (١٦٨٤ص).
(٢) انظر ((إظهار الحق))، رحمة الله الهندي (٤/ ١١٦٦ – ١١٦٩)، ((البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل))، أحمد حجازي السقا (٢/ ٤٨ – ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>