[المطلب الرابع: تعريف بالكتب المقدسة لدى الهندوس:]
الفكر الهندي يتسلط عليه اتجاه روحاني، ومن هنا كثرت الآلهة لدى الهنود، وبالتالي كثرت الكتب المقدسة حتى جاوزت المئات، ووصلت إلى الألوف، وفي الديانات السماوية يكون مصدر تقديس الكتب أنها كلام الله أوحى به إلى أنبيائه، بالمعنى فقط كالتوراة والإنجيل، أو بالمعنى واللفظ كالقرآن الكريم، أما مصدر تقديس الكتب عند الهندوس فليس لأنها موحى بها من الله، فهي لم يوح بها، بل لا يعرف لأكثرها واضع معين، وإنما اشترك في تأليفها عدد كبير من الناس على مرِّ القرون، وليس مصدر التقديس إبداعها في الفكرة أو الأسلوب، فكثيرا ما شملت هذه الكتب أفكارا بدائية وأساليب ركيكة، بل إن مصدر تقديس هذه الكتب هو على العموم الاتجاه الروحاني لدى الفكر الهندي، والموافقة على تأليه أي كائن، أو تقديس أي كتاب دون حاجة إلى إبداء الأسباب.
ومن الناحية العملية كان مصدر هذه الكثرة تفسير كتاب (الويدا) الذي يعتبر أعظم الكتب المقدسة لدى الهندوس، فإن مرور الزمن على هذا الكتاب جعله عسير الفهم غريب اللغة، فأُلِّفت كتب كثيرة لشرحه وتفسيره، وعدَّها الهندوس مقدسة، ومرَّت قرون أخرى فاحتاجت هذه الشروح إلى شروح جديدة وإضافات، فكتبت كتب أخرى، واستساغ العقل الهندوسي أن يجعلها مقدسة أيضا، وتضخمت (الويدا) فاحتاجت إلى وضع مختصرات قدسها العقل الهندوسي كذلك. هذا بالإضافة إلى كتب وضعت غير متصلة بالوبدا، بل تصف حدثا دينيا أو تاريخيا جديدا.
على أن الكتب المقدسة لدى الهنود ليست كلها - بطبيعة الحال - في مستوى واحد، فمنها كتب قليلة الانتشار، أو لا تحظى بتقديس جميع الهندوس، ومنها كتب أقرب إلى الغموض منها إلى الوضوح، ومن أعظم كتبهم المقدسة على العموم الوبدا وقوانين (منو).
وبقي أن نعرِّف بكتب أربعة أخرى تعتبر في القمة بين كتب الهندوس المقدسة، وهذه الكتب هي:
مهابهارتا - كيتا - بوجاواسستها - رامايانا.
- مهابهارتا Mahapharata:
مهابهارتا ملحمة الهند الكبرى، تشبه الإلياذة والأوديسة عند اليونان، وهي من الكتب الهندوسية القليلة التي يعرف مؤلفها، إن اسمه (وياس) وهو ابن العارف الكبير (برسرا) وقد أملى (وياس) هذا النشيد المقدس على (كنيتي) الذي دوَّنه. وقد وقعت هذه الملحمة الكبرى حوالي سنة (٩٥٠) ق م، وهي تصف حربا بين أمراء أسرة ملكية واحدة، ولكن جميع ملوك الهند اشتركوا فيها مع هذا الجانب أو ذاك، بل اتخذ الآلهة دورا في المعركة أيضا كما تروي الأقاصيص ذلك.
- كيتا Gita:
هذا الكتاب جزء من الملحمة الكبرى مهابهارتا التي تحدثنا عنها آنفا، والتي - كما قلنا - تصف حربا شعواء بين فريقين من الأمراء ينحدران من أسرة ملكية واحدة، وينسب هذا الكتاب أو أكثره إلى كرشنا أحد أبطال الهندوس المقدسين، وكان قد اتخذ جانبا في هذه الملحمة تحت قيادة البطل أرجنا، ومن قراءة كيتا يُلاحَظ اهتمام هذا الكتاب لا بالجانب القصصي أو الخرافي الذي لاحظناه في النموذج السابق، بل بالجانب الفلسفي والاجتماعي، وكيتا لهذا يعتبر من الروافد التي قدَّمت إلى مهابهارتا ... التعاليم و ... الثقافات، ومنه استمدت تعاليم كثيرة رويناها في دراستنا السابقة، والكتاب يقدم لنا صورة الهيئة الاجتماعية الهندية في ذلك العصر، فنعلم منه ما كان عليه الشعب من المعتقدات الدينية، والعادات الاجتماعية، والأفكار الفلسفية، ووجهة نظره العامة في الحياة وما بعد الممات.
- يوجاواسستها yogavasisthe:
لا يعرف مؤلف لهذا الكتاب كالشأن في أكثر الكتب الهندية المقدسة، وهو منظوم يحتوي على أربعة وستين ألفا من الأبيات، مما يرجح أن يكون من عمل مجموعة من الناس، لا من نظم شخص واحد، وزمن تأليفه غير معروف أيضا، وإن مال بعضهم إلى أنه أُلِّف في القرن السادس الميلادي بسبب إشارات وردت فيه تشير إلى أحداث وقعت في هذا القرن، ولكن الذي نميل إليه أنه ألِّف في فترة زمنية طويلة، وأن هذه الإشارات ليست إلا للأجزاء التي ألفت في القرن السادس، وليست دليلا على تحديد، وقت لتأليف الكتاب كله.
وموضوع الكتاب هو الفلسفة واللاهوت، ودراساته عميقة جدا، ويفترض الكتاب تلميذا اسمه (راما) تنتابه الشكوك والأوهام، فيسأل أستاذا له عما يساوره، ويطلب بيانا لإيضاح ما غمض عليه، ويجيبه أستاذه شارحا موضحا.
- رامايانا Ramayana:
رامايانا كتاب قديم لا يعرف مؤلفه ولا تاريخ تأليفه بالضبط، وكل ما نعرفه عن تاريخه أنه كله أو بعضه أقدم من مهابهارتا الذي تكلمنا عنه فيما سبق، وعرف تاريخ رامايانا التقريبي بواسطة إشارات في مهابهارتا، وإن كان ذلك لا يحدد تاريخه بالضبط؛ لأن الكتب المقدسة الهندية ألفت في فترات طويلة، فلا يدل حدث بها على تاريخ تأليف الكتاب كله.
المصدر:أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص ٧٥