أصحاب ملكا الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها، ومعظم الروم ملكانية، قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته. ويعنون بالكلمة: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس: أقنوم الحياة، ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم: إن الكلمة مازجت جسد المسيح، كما يمازج الخمر أو الماء، اللبن. وصرَّحت الملكانية أن الجوهر غير الأقانيم، وذلك كالموصوف والصفة، وعن هذا صرَّحوا بإثبات التثليث، وأخبر عنهم القرآن: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [المائدة: ٧٣].
وقالت الملكانية: إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي، وهو قديم أزلي من قديم أزلي، وقد ولدت مريم عليها السلام إلها أزليا، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معا. وأطلقوا لفظ الأبوة والبنوة على الله عزَّ وجلَّ وعلى المسيح لما وجدوا في الإنجيل حيث قال: إنك أنت الابن الوحيد. وحيث قال له شمعون الصفا: إنك ابن الله حقا.
لعل ذلك من مجاز اللغة، كما يقال لطلاب الدنيا: أبناء الدنيا. ولطلاب الآخرة: أبناء الآخرة. وقد قال المسيح عليه السلام للحواريين: أنا أقول لكم: أحبُّوا أعداءكم (١/ ٢٢٢) وباركوا على لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل من يؤذيكم؛ لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء الذي تشرق شمسه على الصالحين والفجرة، وينزل قطره على الأبرار والأئمة، وتكونوا تامين، كما أن أباكم الذي في السماء تام.
وقال: انظروا صدقاتكم فلا تعطوها قدام الناس؛ لتراءوهم، فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء. وقال حين كان يصلب-بزعمهم-: أذهب إلى أبي وأبيكم. ولما قال أريوس: القديم هو الله، والمسيح هو مخلوق. اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في بلد قسطنطينية بمحضر من ملكهم، وكانوا ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا، واتفقوا على هذه الكلمة اعتقادا ودعوة، وذلك قولهم:
نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء، وصانع ما يرى وما لا يرى، وبالابن الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلها، الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها، وليس بمصنوع، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم، وخلق كل شيء من أجلنا، ومن أجل معشر الناس، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسَّد من روح القدس، وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول، وقتل وصلب أيام فيلاطوس، ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء تارة أخرى بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة؛ لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية، وبقيام أبداننا والحياة الدائمة أبد الآبدين. هذا هو الاتفاق الأول على هذه الكلمات، وفيه إشارة إلى حشر الأبدان.
وفي النصارى من قال بحشر الأرواح دون الأبدان، وقال: إن عاقبة الأشرار في القيامة غم وحزن الجهل، وعاقبة الأخيار سرور وفرح العلم. وأنكروا أن يكون في الجنة نكاح وأكل وشرب.
وقال مار إسحاق منهم: إن الله تعالى وعد المطيعين وتوعد العاصين، ولا يجوز أن (١/ ٢٢٣) يخلف الوعد؛ لأنه لا يليق بالكريم، ولكن يخلف الوعيد فلا يعذب العصاة، ويرجع الخلق إلى سرور وسعادة ونعيم وعمم هذا الكل؛ إذ العقاب الأبدي لا يليق بالجواد الحق تعالى.