اختتن المسيح عليه السلام والتزم به؛ لأنه من شريعة موسى، فقد ذكر اليهود في كتابهم أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام كما في التكوين (١٧/ ١١): (يختن منكم كل ذكر فَتُخْتَنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم ... وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها إنه قد نكث عهدي).
ومع هذا التأكيد على الختان، فقد ألغاه بولس من ضمن ما ألغى من شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في رومية (٢/ ٢٨)(لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًّا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان).
هذه بعض الأمور التي يلاحظها الإنسان الذي يطَّلع اطلاعة سريعة على رسائل بولس التي تكونت بعدُ منها النصرانية، وقامت عليها وغطت تعاليمه على تعاليم المسيح عليه السلام، بل ألغتها وحلَّت محلَّها، كما سبق ذكره، ومن الجدير بالذكر أن أتباع المسيح الأوائل لم يقبلوا تلك الدعاوى من بولس، بل ردوها، وفي هذا يقول في رسالته الثانية إلى تيموثاوس (١/ ١٥): (إن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني). وهذا هو المتوقع من الحواريين والذين عرفوا الحق ورأوا المسيح عليه السلام وتتلمذوا عليه.
إلا أن تلك الدعاوى وجدت رواجاً لدى الرومان واليونان، وخاصة في غرب أوربا حيث كان الغالبية وثنيين، فناسبتهم هذه المبادئ فأخذوا بها، ثم طبعها بطابع الشمول والإلزام مجمع نيقية سنة (٣٢٥) م, حيث قرروا فيه ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطايا البشر كما تقدَّم، فأصبحت الديانة النصرانية مدينة في الواقع لبولس، وليس للمسيح منها إلا الاسم فقط.