[الفرع الرابع: الصهيونية المسيحية:]
كان لليهود المهاجرين من إسبانيا إلى أوربا- وبخاصة فرنسا وهولندا- أثرهم البالغ في تسرب الأفكار اليهودية إلى النصرانية من خلال حركة الإصلاح، وبخاصة الاعتقاد بأن اليهود شعب الله المختار، وأنهم الأمة المفضلة، كذلك أحقيتهم في ميراث الأرض المباركة.
في عام (١٥٢٣) م, أصدر مارتن لوثر كتاب عيسى وُلِد يهوديًّا متأثراً فيه بالأفكار الصهيونية.
وفي عام (١٥٤٤) م, أصدر لوثر كتاباً آخر فيما يتعلق باليهود وأكاذيبهم.
كانت هزيمة القوات الكاثوليكية وقيام جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية عام (١٦٠٩) م, بمثابة انطلاقة للحركة الصهيونية المسيحية في أوربا، مما ساعد على ظهور جمعيات وكنائس وأحزاب سياسية عملت جميعاً على تمكين اليهود من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ومن أبرز هذه الحركات: الحركة البيوريتانية التطهيرية التي تأسست على المبادئ الكالفينية بزعامة السياسي البريطاني أوليفر كروميل (١٦٤٩ - ١٦٥٩) م, الذي دعا حكومته إلى حمل شرف إعادة إسرائيل إلى أرض أجدادهم، حسب زعمه.
في عام (١٨٠٧) م, أُنشئت في إنجلترا جمعية لندن؛ لتعزيز اليهودية بين النصارى، وقد أطلق أنطوني إشلي كوبر اللورد ريرل شانتسبري (١٨٠١ - ١٨٨٥) م، أحد كبار زعمائها شعار: (وطن بلا شعب لشعب بلا وطن) الأمر الذي أدَّى إلى أن يكون أول نائب لقنصل بريطانيا في القدس وليم برنج أحد أتباعها، ويعتبر اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا (١٧٨٤ - ١٧٦٥) م, من أكبر المتعاطفين مع أفكار تلك المدرسة الصهيونية المسيحية، وأيضاً فإن تشارلز. هـ. تشرشل الجد الأعلى لونستون تشرشل - رئيس الحكومة البريطانية الأسبق - أحدُ كبار أنصارها.
انتقلت الصهيونية المسيحية إلى أمريكا من خلال الهجرات المبكرة لأنصارها نتيجة للاضطهاد الكاثوليكي، وقد استطاعت تأسيس عدة كنائس هناك من أشهرها الكنيسة المورمونية.
يعتبر سايسروس سكلوفليد (١٨٤٣) م, الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية في أمريكا.
لعبت تلك الكنائس دوراً هامًّا في تمكين اليهود من احتلال فلسطين، واستمرار دعم الحكومات الأمريكية لهم - إلا ما ندر- من خلال العديد من اللجان والمنظمات والأحزاب التي أنشئت من أجل ذلك، ومن أبرزها: الفيدرالية الأمريكية المؤيدة لفلسطين التي أسسها القس تشارلز راسل عام (١٩٣٠) م، واللجنة الفلسطينية الأمريكية التي أسسها في عام (١٩٣٢) م, السناتور روبرت واضر، وضمَّت (٦٨) عضواً من مجلس الشيوخ، و (٢٠٠) عضو من مجلس النواب، وعدد من رجال الدين الإنجيليين، ورفعت هذه المنظمات شعارات: الأرض الموعودة، والشعب المختار.
وفي العصر الحديث تعتبر الطائفة التدبيرية التي يبلغ عدد أتباعها (٤٠) مليون نسمة تقريباً والمعروفة باسم الأنجلو ساكسون، البروتستانت البيض من أكثر الطوائف مغالاة في تأييد الصهيونية، وفي التأثير على السياسة الأمريكية في العصر الحاضر.
ومن أشهر رجالها اللاهوتيين: بيل جراهام، وجيري فولويل، جيمي سويجارت. ومن أبرز رجالها السياسيين الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان.
اهتمَّت الكنيسة البروتستانتية بنشر الإنجيل في أوروبا وأمريكا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم تطور عملها في شكل منظمات وإرساليات، ووضعت اللوائح والقوانين المنظمة لها وكذلك الميزانيات اللازمة. ومن ثم انتقل العمل التبشيري البروتستانتي إلى القارتين الأفريقية والآسيوية، وبخاصة التي كانت تستعمرها الدول الغربية ذات العقيدة البروتستانتية. ومن أوائل الذين قادوا حركة التبشير: جوف وسلي، ووليام ولبرفورس، ووليام كيري، أبو المبشرين في العصر الحديث.