الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالاً:
قبل الحديث عن تاريخ الأناجيل الأربعة لدى النصارى لا بد من بيان أن الكتب الدينية لها مكانة عظيمة لدى أتباعها، ولها دور خطير في الحياة؛ إذ يعتمد عليها في توضيح الطريق إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة. فلهذا يجب أن تكون الكتب ثابتة الإسناد إلى أصحابها الذين هم رسل الله، والمبلغون عن الله عزَّ وجلَّ، فإذا لم تكن كذلك فإنها تفقد قيمتها؛ إذ تكون عرضة للتحريف والتبديل من قبل أصحاب الأهواء والمقاصد الخبيثة، أو من قبل العوارض البشرية كالنسيان، وقلة العلم، والوهم ونحو ذلك.
فصحة الإسناد بعدالة رواة الأخبار وضبطهم، وعدم انقطاعه، هو السبيل الذي يمكن به وصول هذه الكتب إلى الناس سليمة صحيحة كاملة، فيتعرَّف الناس على الحق من خلالها.
وإذا نظرنا في كتب الحديث عند أهل الإسلام- والتي تتضمن أقوال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وجميع ما يتعلق به- عرفنا الجهد العظيم الذي بذله أولئك الأئمة في المحافظة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليماً صحيحاً، حيث يستطيع المسلم في القرن الخامس عشر الهجري أن يعرف صحة الحديث من عدمه.
وإذا بحثنا في التاريخ لدى النصارى عن إسناد لهذه الأناجيل إلى من تنسب إليه لا نجد من ذلك شيئاً البتة لا قليلاً ولا كثيراً. ورسائل بولس، وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها إشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة، الأمر الذي يترتب عليه أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطَّلع عليها أحد منهم، وفي هذا دلالة قوية على أن نشأة هذه الكتب وظهورها كان متأخراً عن هذه الرسائل، بخلاف إنجيل الله أو إنجيل المسيح فقد ورد ذكره في كلام بولس مراراً عديدة، كما ورد ذكره في إنجيل مرقص، وأعمال الرسل مما يدل على وجوده وأنه معروف معلوم.
وقد حاول النصارى أن يجدوا لهذه الكتب إسناداً أو إخباراً عنها في كلام متقدميهم يتفق مع الزمن الذي يزعمون أنها كتبت فيه، وهو الربع الأخير من القرن الأول الميلادي على أكثر تقدير. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، مما اضطرهم إلى الاعتراف بأن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من تنسب إليه بعشرات السنين، فتكون نسبتها إلى أولئك الناس نسبة لا تقوم على أدنى دليل، وإليك بعض كلام النصارى في هذا الأمر:
يقول القس (فهيم عزيز) الأستاذ بكلية اللاهوت الإنجيلية: (لكن قانونية أسفار العهد الجديد لم تتم في وقت واحد ولم يكفها جيل أو جيلان، بل استمرت مدة طويلة، ولم تقف الكنائس المختلفة موقفاً موحداً من الأسفار المختلفة، بل اختلفت آراؤها من جهة بعض الأسفار، واستمرت في ذلك حقبة طويلة، فلهذا يلزم تتبع هذا التاريخ الطويل لقانونية أسفار العهد الجديد.
الكنيسة الأولى: يوم الخمسين (١٠٠) م:
من المعلوم جيداً أنه لم تكن في تلك الفترة كتب مقدسة تسمى العهد الجديد، ولكن الكنيسة لم تمكث بدون مصادر إلهية تستند عليها في كل شيء من وعظ وتعاليم وسلوك ومعاملات، وقد كان لها في هذا المجال ثلاثة مصادر).
ثم ذكر أن المصادر الثلاثة هي: العهد القديم، المسيح، الرسل، ثم قال:
(ثانياً: (١٠٠ - ١٧٠) م, ظهور الكتب القانونية في العهد الجديد:
كانت أول مجموعة عرفتها الكنيسة من العهد الجديد هي مجموعة رسائل بولس. فهي أول ما جمع من كل كتب العهد الجديد، ولقد كتب بولس رسائله إلى كنائس وأفراد لظروف خاصة ومواقف محددة .. ).