الصابئة المندائية هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيًّا لها، يقدِّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية، من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
ولقد حقَّق شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الرد على المنطقيين) ط٦ (ص٤٥٤ وما بعدها) حقيقة الصابئة كما وردت في القرآن الكريم، فقال ما حاصله:
إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون.
أما الصابئة الحنفاء فهم بمنزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والإنجيل قبل النسخ والتحريف والتبديل من اليهود والنصارى. وهؤلاء حمدهم الله وأثنى عليهم. والثابت أن الصابئين قوم ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي، وهم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين، ولكنهم عرفوا الله وحده، ولم يحدثوا كفراً، وهم متمسكون (بالإسلام المشترك) وهو عبادة الله وحده، وإيجاب الصدق والعدل، وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على إيجابه وتحريمه، وهم يقولون (لا إله إلا الله). فقط، وليس لهم كتاب ولا نبي. والصحيح أنهم كانوا موجودين قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأرض اليمن.
وأما الصابئة المشركون فهم قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية.
وعلى ذلك فمن دان من الصابئة بدين أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، ومن لم يدن بدين أهل الكتاب فهو مشرك، ومثالهم من يعبد الكواكب. كمن كانوا بأرض حران عندما أدركهم الإسلام، وهؤلاء لا يحلُّ أكل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وإن أظهروا الإيمان بالنبيين، وقد أفتى أبو سعيد الاصطخري بأن لا تقبل الجزية منهم، ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء.