[المطلب الرابع: البشارة بالملكوت:]
ومن الألقاب التي أعطيت للدين الجديد وأتباعه في (الكتاب المقدس) (الملكوت) أو (ملكوت السماوات)، الذي أنبأ المسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إلى أمة أخرى، فقال: (إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) (متى ٢١/ ٤٣).
هذا الملكوت تقاطرت الأنبياء على البشارة به (كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا، ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله، وكل واحد يغتصب نفسه إليه) (لوقا ١٦/ ١٦ - ١٧).
والملكوت قد بشر باقتراب عصره النبي يوحنا المعمدان، يقول متى: (جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى ٣/ ١ - ٢).وتحدث المعمدان عن الملكوت القادم فقال لليهود متوعداً: (يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي ... والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ. حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه .... ) (متى ٣/ ١ - ١٣) (١).
ولنتوقف سريعاً مع الصفات التي ذكرها يوحنا المعمدان لصاحب الملكوت.
فأولها: أنه يأتي بعده، فلا يمكن أن يكون هذا الآتي بعده هو المسيح الذي أتى في أيام يوحنا المعمدان.
وثانيها: أنه قوي، وقوته تفوق قوة يوحنا المعمدان، ومثل هذا الوصف لا ينطبق على المسيح الذي يزعم النصارى مصرعه على الصليب قريباً مما جرى ليوحنا المعمدان، وأنَّى هذا من غلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر أعدائه؟ ثم بلغ من القوة أنه طهَّر الأرض من رجس الوثنية بالروح والنار أي: بدعوته العظيمة وقوته القاهرة، وكل ما تقدَّم لا ينطبق على أحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد وفاة يوحنا المعمدان جدَّد يسوع البشارة باقتراب الملكوت، (ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى ٤/ ١٧)، (وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت) (متى ٤/ ٢٣)، (كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر) (لوقا ٨/ ١).
وقد اعتبر المسيح عليه السلام البشارة بالملكوت مهمته الأولى، بل الوحيدة، فقال: (فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت) (لوقا ٤/ ٣٤).
وأمر تلاميذه بأن يبشروا باقتراب الملكوت فقال: (اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى ١٠/ ٧).
ثم علم المسيح تلاميذه أن يقولوا في صلاتهم تلك العبارة التي ما يزال النصارى يرددونها إلى اليوم (أبانا الذي في السماوات .. ليأت ملكوتك) (لوقا ١٠/ ٢).
(١) يعلق الأب متى المسكين - على هذه الفقرة التي تشير إلى قوة صاحب الملكوت القادم - فيقول بأن المعمدان وتلاميذه (خاب أملهم فيه [المسيح]؛ لأنهم انتظروه يحمل بيده مذراته - رفشه - ليجمع التبن للحريق، فإذا به وديع متواضع، لا يسمع أحد صوته في الشارع، محب للخطاة، ويأكل ويشرب مع العشارين، ويغفر للزناة .. فإن كان المسيح هكذا لطيفاً مع الخطاة يصنع الآيات والمعجزات وحسب؛ فقد أخطأ المعمدان في حساباته وأوصافه عن مسيا الآتي الأقوى منه، ومعروف كيف أن المعمدان كان شخصية حديدية نارية أرعب الكتبة والفريسيين ... فنظر وإذا المسيح أهدأ من نسيم الصباح (. ((الإنجيل بحسب القديس متى)) (ص٣٨١) الأب متى المسكين.