[تمهيد:]
تتشابه الأديان الشرقية في عدد من الخصائص التي تجمعها مع الديانات العالمية الأخرى، إلا أنها تتجاذبها نزعتان مختلفتان تمام الاختلاف، فيما يتعلق بالإله، وهاتان النزعتان هما نزعتا الوحدانية وتعدد الآلهة.
فقلما نجد دولة من الدول أو شعباً من شعوب الديانات الشرقية، لا تتمثل إلهاً لكل قوى الطبيعة النافعة والضارة، يستنصرونه في الشدائد، ويلجؤون إليه في الملمات، ويتضرعون إليه؛ ليبارك لهم في ذرياتهم وأموالهم، ولم يصل هؤلاء إلى عبادة هذه الظواهر دفعة واحدة، وإنما مروا بمراحل انتهت بهم إلى عبادتها، ولقد كثرت الآلهة عندهم، لاسيما عند الهندوس، كثرة كبيرة، وكانوا يسمون إلههم بكل اسم حسن، ويصفونه بكل صفة كاملة، ويخاطبونه باسم (رب الأرباب) أو (إله الآلهة) توقيراً وتعظيماً وإجلالاً.
وفي القرن التاسع قبل الميلاد، استطاع بعض كهنة تلك الدول اختصار الآلهة، فقد جمعوا الآلهة في إله واحد، وقالوا: إنه هو الذي أخرج العالم من ذاته.
ثم ظهرت حركات عقلية آمنت بالتناسخ، وظهرت حركات أخرى آمنت بالإله أساساً لفلسفة الدين، وعندما فتح محمود الغزنوي الهند، وأخضعها للحكم الإسلامي، قدَّم أروع الأمثلة على سماحة الدين الإسلامي، عندما ترك الحرية للهنود فيما يعبدون، وانتشر الإسلام في الهند، ومنها انتقل إلى دول شرقية أخرى تركت لها حرية العبادة كذلك، ولكن الناس كانت تجد في عقيدة التوحيد ملاذها، فاندفعت إليها عن حب ورضا.
ومن أهم أهداف هذه الموسوعة، وضع يد القارئ على كثير من الحقائق المتعلقة بالأديان الشرقية، وقد يمكن القول: إن كثيراً من هذه الديانات ربما بدأت كديانات توحيد سماوية؛ إعمالاً لقوله تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:٢٤]. ولكن التحريف لحق هذه الأديان، كما لحق غيرها، ودليل ذلك أن فكرة التوحيد كان لها وجود بشكل أو بآخر في هذه الديانات، كما أن بعض كتب هذه الأديان انطوت على إشارات إلى نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، ولذا فإن هذه الموسوعة عندما تشير إلى حقائق هذه الأديان في الوقت الحاضر، فإنها لا تنفي عن أصل نشأتها إمكانية أن تكون ديانات توحيد قبل أن يلحقها التحريف، وتتطرق إليها الوثنية.
وأيًّا ما كان الأمر، فقد عالجت هذه الموسوعة أهم الأديان الشرقية المعاصرة، كما هي، لا كما كانت، وهي:
(١) الصابئة المندائيون:
وتعدُّ من أقدم الديانات التي تعتقد بأن الخالق واحد، وهي بهذا الوصف تعتبر من الديانات السماوية ويعتبر أتباعها أتباع دين كتابي.
(٢) الهندوسية:
وتسمَّى أيضاً البرهمية، وهي ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وليس في الهندوسية دعوة إلى التوحيد، بل إنهم يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلها يعبد، ثم قالوا بوجود آلهة ثلاثة، من عبد أحدها فقد عبدها جميعاً وهي براهما وفشنو وسيفا.
(٣) الشنتوية:
وهي ديانة ظهرت في اليابان منذ وقت طويل، وقد بدأت بعبادة الأرواح ثم قوى الطبيعة ثم عبادة الإمبراطور مؤخراً، حيث يعتبرونه من نسل الآلهة.
(٤) الطاوية:
وهي إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي تستلزم العودة إلى الحياة الطبيعية مع ضرورة الإيمان بوحدة الوجود؛ إذ الخالق والمخلوق شيء واحد.
(٥) الجينية:
وهي ديانة منشقة عن الهندوسية، وتدعو إلى التحرر من كل قيود الحياة، والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم، كالعيب والإثم والخير والشر.
(٦) الكونفوشيوسية:
وهي ديانة أهل الصين، وتدعو إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم، مع إضافة بعض آراء الحكيم كونفوشيوس إليها، وهي تقوم على عبادة الإله الأعظم وعبادة أرواح الآباء والأجداد، وتقديس الملائكة.
(٧) البوذية:
وهي الديانة التي ظهرت في الهند بعد البراهمية (الهندوسية) في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي تدعو إلى التصوف والخشونة، ونبذ الترف والمناداة بالتسامح، ويعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الإله عندهم، وأنه مخلِّص البشرية من مآسيها.
(٨) السيخية:
وهي ديانة السيخ الذين هم جماعة دينية هندية، تدعو إلى دين جديد، تزعم فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمين).
(٩) المهاريشية:
وهي نحلة هندوسية دهرية ملحدة، انتقلت إلى أمريكا وأوروبا داعية إلى طقوس كهنوتية بغية تحصيل السعادة الروحية.