للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: أساليب المستشرقين:]

ومن أساليب المستشرقين في غزوهم الفكري للمسلمين كذلك: بعث الخلافات القديمة، وإحياء الشبه المدفونة، ويظهر هذا بوضوح في نبشهم لخلافات حدثت بين المسلمين، وانتهى الأمر فيها، ولم تعد بحاجة إلى إعادة الخلاف فيها، سواء كانت مسائل عقدية أو فقهية أو غير ذلك، فإذا بأولئك يبعثون الشبه حولها، ويقترحون الحلول، ويعقدون المقارنات بينها، واستغلوا مشكلة الخوارج، كما استغلوا قضية الخلاف بين السنة والشيعة نقطة انطلاق، وما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما منطلقا، وما وقع بين الدولة الأموية والعباسية من أمور سياسية وجفاء، أمثلة لوحشية المسلمين بزعمهم.

ومن الأساليب أيضا: صرف همم المسلمين إلى الاتجاهات الأدبية والنظرية، وتحويل أنظارهم عن الاتجاه إلى العلوم التجريبية حتى يظل العالم الإسلامي بعيدا عن أسباب التقدم العلمي.

ومن أساليبهم: الدعوة إلى تحريم الجهاد حتى أصبحت كلمة الجهاد كأنها وصمة عار في تاريخ المسلمين، بحجة أن الجهاد تخلُّف ووحشية، ومخالف للتمدن، وقام أذيالهم في البلاد الإسلامية بترديد نفس هذه الفكرة الباطلة، بينما قتلهم للمسلمين بالقنابل السامة والمدافع والصواريخ والرشاشات التي تأكل الأخضر واليابس تعتبر رحمة وتمدنا، في حين أن الإسلام لا يجيز قتل أحد إلا أن يكون مستحقا للقتل، إما لأنه طاغية يقف في وجه المسلمين، ويمنع انتشار الإسلام، ويحمل السلاح كذلك، ويأبى عن الإسلام أو الجزية أو غير ذلك من الأمور التي توجب قتله، فحينئذ يبيح إزالته ورفع أذاه، ولم يضعف المسلمون ويلاقوا ألوان الإهانات إلا حين تركوا الجهاد. ومن أساليبهم: إثارة وإحياء النعرات الجاهلية تتميما لما بذله المنصرون، فقد اهتمَّ المنصِّرون والمستشرقون بإثارة وإحياء النعرات الجاهلية التي قضى عليها الإسلام، واعتبرها داء يجب علاجه من الدعوة إلى القومية والعرقية والوطنية والشعوبية، ومحاولتهم إلهاء المسلمين بها، وهم يتظاهرون بأن تحقيق القومية هو الذي يوحد الشعوب ويؤلف القلوب، ولقد صدَّقهم الكثير من مرضى القلوب من المنتسبين إلى الإسلام، وكأن هؤلاء الجهال لا يرون ماذا يحدث عند قيام الحروب الأهلية من فظاعة بين أبناء الوطن الواحد ذوي القومية الواحدة (١)


(١) سنبحث قضية القومية بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>