[المطلب الثاني: الأقنوم الثاني: الابن:]
المراد بالابن عندهم كلمة الله المتجسدة وهو المسيح عليه السلام، ويزعمون أن الابن مساو للأب في الوجود، وأن الأب خلق العالم بواسطة الابن، وأنه الذي نزل إلى الأرض بالصورة البشرية فداء للبشر، وهو الذي يتولَّى محاسبة الناس يوم القيامة. تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً.
أدلتهم على أن المسيح ابن الله، تعالى الله عن قولهم:
استدلَّ النصارى على أن المسيح ابن لله بما ورد في الأناجيل من النصوص التي تنسب المسيح ابنا لله، ومن تلك النصوص ما ورد في إنجيل متى (١٦/ ١٦) من قول بطرس لما سأله المسيح عن نفسه ماذا يقول الناس عنه قال: (أنت هو ابن الله الحي).
وفي إنجيل يوحنا (١١/ ٤) ورد على لسان المسيح في زعمهم: (فلما سمع يسوع قال: هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله).
فبمثل هذه الإطلاقات اعتقد النصارى أن المسيح ابن الله، بمعنى أنه خرج من الله عزَّ وجلَّ، وهو قول باطل وافتراء على الله عزَّ وجلَّ، تعالى الله عن قولهم.
الرد عليهم:
وللرد على النصارى يمكن القول بأن ما أوردوه من أدلة لا تصلح أن تكون مستنداً لإثبات عقيدة خطيرة كهذه؛ لما يلي:
أولاً: أن كتبهم التي يستندون إليها في هذا هي كتب غير موثقة، وغير سليمة من التحريف، وقد سبق بيان هذا.
ثانياً: أن البنوة التي يزعمها النصارى تختلف عن ظاهر لفظ (ابن الله) الوارد في الأناجيل، فالابن في الأصل جزء من الأب، ومتخلق من نطفته، ويكون الأب سابقا للابن في الوجود، والفضل له في وجوده، وما يعتقد النصارى في المسيح لا يتفق مع البنوة الحقيقية، وإنما يزعمون أن الابن هو الأب، وأنه مساوٍ له في الجوهر والوجود والمجد، وهي أمور لم ترد في الأناجيل، ولا يستطيع النصارى أن يقيموا عليها الدليل العقلي فضلاً عن الشرعي.
ثالثاً: أن هذا الوصف- وهو (ابن الله) - أطلق على غير المسيح في مواطن كثيرة من أناجيلهم، منها في إنجيل متى (٥/ ٩): (طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم أبناء الله يدعون)، وفي (٥/ ٤٥) أن المسيح خاطب تلاميذه قائلاً: (وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات).
وفي إنجيل يوحنا (١/ ١٢) فقد ورد عن المؤمنين بالمسيح (وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله).
وفي إنجيل لوقا (٢٠/ ٣٦) قال: (لأنهم مثل الملائكة، وهم أبناء الله أبناء القيامة).
وورد وصف يعقوب وبنيه بذلك، ففي سفر الخروج (٤/ ٢٢) أن الله خاطب موسى قائلا له: (فتقول لفرعون هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني) وكذلك ورد في سفر إشعياء (٤٣/ ٦): (ائت ببني من بعيد وببناتي من أقصى الأرض).
والنصارى لا يقولون: إن بني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة. وإنما يقولون: هذه بنوة مجازية، تعني العبادة من طرف العباد، والحفظ واللطف والرعاية من قبل الله عزَّ وجلَّ لهم، فكذلك إذاً ما ورد من بنوة المسيح لله لا تعني غير ذلك، إذ إن العبارتين واحد، فيجب أن يستويا في الدلالة والمعنى، ما لم يدلَّ دليل على خلاف ذلك، وليس هناك ما يدلُّ على خلاف ذلك.
رابعاً: أن المسيح عليه السلام قد دلت الأدلة الكثيرة على بشريته، وأنه رسول الله، كما أوردت الأناجيل وصفه بأنه ابن الإنسان وابن داود وغير ذلك من الأوصاف الدالة على بشريته، ومن ذلك ما ورد في إنجيل متى (٨/ ٢٠): (فقال له يسوع: للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه).
وفي إنجيل مرقص (٢/ ٢٨): (ابن الإنسان هو رب البيت أيضاً).
وفي إنجيل لوقا (٧/ ٣٤) من كلام المسيح لليهود: (جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فتقولون: هو ذا إنسان أكول شريب خمر محب للعشارين والخطاة).
وفي إنجيل يوحنا (١/ ٥١): (الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان).
وفيه أيضا (٨/ ٤٠) يقول لهم المسيح (وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله).
فورد وصفه بأنه ابن الإنسان في ثمانية وستين موضعا تقريباً في الأناجيل الأربعة، أما ما ورد وفيه إطلاق (ابن الله) عليه فقد ورد في ثلاثة وعشرين موضعا تقريباً في الأناجيل الأربعة، منها أربعة مواضع فقط التي ورد فيها هذا الوصف من كلام المسيح، أما الباقي فليس من كلام المسيح بل بعضه من كلام إبليس والشياطين، فكيف يترك المعنى الظاهر الواضح الذي تؤيده النصوص الكثيرة والواقع، والذي يتفق مع العقل والمنطق إلى المعنى الخفي البعيد الذي تعارضه النصوص ولا يتفق مع العقل ولا المنطق!!
المصدر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص ٢٨٨