للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد:]

المقصود بالإرساليات ما دأب غزاة الأفكار على القيام به، وتمويل أعضائه من المنصِّرين والمستشرقين، وبثِّهم في العالم الإسلامي؛ لإدخال المسلمين ضمن نفوذ الصليبيين. يقول المستشرق الميسو (ل. شاتليه) رئيس تحرير مجلة (العالم الإسلامي) التي كانت تصدرها جمعية (الإرسالية العمالية المغربية) قال بعد مقدمة بيَّن فيها أن من واجب فرنسا أن يكون عملها في الشرق مبنيًّا قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية، حيث قال: (ومن هذا يتبين لنا أن إرساليات التبشير الدينية التي لديها أموال جسيمة، وتدار أعمالها بتدبير وحكمة، تأتي بالنفع الكثير في البلاد الإسلامية، من حيث إنها تبثُّ الأفكار الأوروبية، إلا أن لإرساليات التبشير مطامع أخرى، كما يتبيَّن من الجملة الآتية التي استخرجتها من رسالة أرسلها القسيس المحترم) صموئيل زويمر (منشئ مجلة) العالم الإسلامي (الإنجليزية) وهو يبني فيها صروح شامخة على أعمال المبشرين البروتستانت، قال: (إن لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم، أو بالأحرى مزية تحليل وتركيب) (١). ويقصد بهذا الكلام الغزو الثقافي والمدِّ السياسي.

وهذه شهادة صارخة على ما يبيِّتونه للإسلام والمسلمين، وقد أتبع الغزاة أقوالهم بالأفعال، فأسَّسوا مئات الجمعيات التبشيرية، ومئات المعاهد والجمعيات في مختلف بقاع الأرض من آسيا وأفريقيا وبقية قارات العالم وبلدانه، وأقاموا مئات المؤتمرات؛ لبحث كيفية انتشار التنصير، وأنجح الوسائل التي يجب أن يستخدموها في ذلك، وأنشؤوا أعدادا غفيرة من المدارس والمستشفيات ودور الحضانة وبيوت الشباب.

وفي سباق حثيث أنشؤوا مئات الكنائس في ديار المسلمين وفي غيرها، ولم يألوا جهدا في افتتاح مئات الإذاعات التنصيرية التي تُبَثُّ إلى العالم بمختلف اللغات في برامج منظمة معدة إعدادا متقنا؛ لتجد لها طريقا إلى قلوب السامعين، ثم أغرقوا المكتبات بتوزيع كتب التنصير، وعلى رأسها ما يسمَّى بـ (الكتاب المقدس) إما توزيعا بالمجان، وإما بثمن رمزي، وذلك عن طريق ستار، إما الطلب أو التدريس أو الفن أو غير ذلك، بل حتى مصادقة من فيه النباهة، أو يتردد إليه الناس حتى وإن كان ثرثارا يحسن اجتذاب الناس إليه، المهم عندهم لفت أنظار المسلمين إلى النصرانية تحت أي مستند كان، على طريقتهم المشهورة (الغاية تبرر الوسيلة)

ومما لا ريب فيه أن المنصرين والمستشرقين كلهم من المصائب والفتن التي ابتلي بها العالم الإسلامي.

المصدر:المذاهب الفكرية لغالب العواجي ١/ ٢٨٧، ٢٨٨


(١) انظر ((الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية)) (ص ٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>