[الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:]
تنتسب هذه الطائفة إلى القديس مارون الذي انعزل في الجبال والوديان، مما جذب الناس إليه مشكِّلين طائفة عرفت باسمه، وكانت حياته في أواخر القرن الرابع الميلادي، فيما كان موته حوالي سنة (٤١٠) م, بين أنطاكية وقورس.
- وقع خلاف شديد بين أتباع مارون وبين كنيسة الروم الأرثوذكس مما اضطرهم إلى الرحيل عن أنطاكية إلى قلعة المضيق قرب أفاميا على نهر العاصي، مشيِّدين هناك ديراً يحمل اسم القديس مارون.
- وقع كذلك خلاف آخر في المكان الجديد بينهم وبين اليعاقبة الأرثوذكس من أصحاب الطبيعة الواحدة عام (٥١٧) م, مما أسفر عن تهديم ديرهم، فضلاً عن مقتل (٣٥٠) راهباً من رهبانهم.
- خلال فترة الرحيل نالهم عطف الإمبراطور مرقيانوس الذي وسَّع لهم الدير عام (٤٥٢) م. وعطف الإمبراطور يوستغيان الكبير (٥٢٧ - ٥٦٥) م, الذي أعاد بناء ديرهم بعد تهديم اليعاقبة له. وكذلك عطف الإمبراطور هرقل الذي زارهم سنة (٦٢٨) م, بعد انتصاره على الفرس.
- احتكم الموارنة واليعاقبة عام (٦٥٩) م, إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - لإنهاء الخلاف بينهم، لكن الخصومة استمرت؛ إذ حدثت حروب انتقامية بين الطرفين مما أسفر عن هجرة الموارنة إلى شمالي لبنان، وهو المكان الذي أصبح موطناً لهم فيما بعد.
- ظهر في موطنهم الجديد بلبنان القديس يوحنا مارون الذي يعتبر صاحب المارونية الحديثة ومقنن نظريتها ومعتقدها، وتتلخَّص سيرة حياته فيما يلي:
- ولد في سروم قرب أنطاكية، وتلقَّى دراسته في القسطنطينية.
- عُيِّن أسقفًّا على البترون على الساحل الشمالي من لبنان.
- أظهر معتقد الموارنة سنة (٦٦٧) م, الذي يقول بأن في المسيح طبيعتين، ولكن له مشيئة واحدة لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد.
- لم تقبل الكنائس النصرانية هذا الرأي، فدعوا إلى مجمع القسطنطينية الثالث الذي عقد سنة (٦٨٠) م، وقد حضره (٢٨٦) أسقفا، وقرَّروا فيه رفض هذه العقيدة، وحرمان أصحابها ولعنهم وطردهم، وتكفير كل من يذهب مذهبهم.
يعدُّ يوحنا مارون أول بطريرك لطائفة الموارنة، وبه يبدأ عهد البطاركة المارونيين.
تصدَّى بجيش من الموارنة لجيش قاده يوستغيان الثاني الذي أراد هدم معابدهم واستئصالهم، إلا أن الموارنة هزموه في أميون مما أظهر أمرهم كأمة جبلية ذات شخصية مستقلة.
لقد تحايلت كنيسة روما بعد ذلك عليهم في سبيل تقريبهم منها، حيث قام البطريرك الماروني أرميا العمشيتي بزيارة لروما حوالي سنة (١١١٣) م، وعند عودته أدخل بعض التعديلات في خدمة القداس وطقوس العبادة وسيامة الكهنة.
ولقد زاد التقارب بينهما حتى بلغ في عام (١١٨٢) م, إعلان طاعتهم للكنيسة البابوية، أما في عام (١٧٣٦) م, فقد بلغ التقارب حد الاتحاد الكامل معها، فأصبحت الكنيسة المارونية بذلك من الكنائس الأثيرة لدى باباوات روما.
لقد كان لهم دور بارز في خدمة الصليبيين من خلال تقديمهم أدِلَّاء؛ لإرشاد الحملة الصليبية الأولى إلى الطرق والمعابر، وكذلك إرسالهم فرقة من النشابة المتطوعة إلى مملكة بيت المقدس.
لقد بلغ رجالهم القادرون على القتال (٤٠,٠٠٠) على ما ذكر مؤرخو الحروب الصليبية.
احتلَّ الموارنة في الممالك التي شيَّدها الصليبيون المرتبة الأولى بين الطوائف النصرانية، متمتعين بالحقوق والامتيازات التي يتمتَّع بها الفرنجة، كحقِّ ملكية الأرض في مملكة بيت المقدس.