وتطلق على الفترة ما بين (٨٠٠ – ١٥٢١) م, التي اتسمت بكثرة الحروب الأهلية، والتي دامت طويلاً بين البابوية والإمبراطورية، واتسمت بظهور حركات الخروج على مبادئ الكنيسة فيما وسَمَتها الكنيسة بالهرطقة، ولذلك توسعت في استخدام محاكم التفتيش ضد هذه الحركات، وضد الأصوات المنادية بالإصلاح الكنسي. وفي تلك الفترة أيضاً كانت بداية الحروب الصليبية، بالإضافة إلى فتح المسلمين للقسطنطينية عام (١٤٥٣) م ويمكن تقسيم أهم أحداث الكنيسة الكاثوليكية خلالها إلى:
- العهد فيما بين شارلمان وجريجوري السابع (٨٠٠ - ١٠٧٣) م: وفيه ازدهرت البابوية، حيث اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث (٨٠٠) م, نفسه حامياً للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معاً، فأصبح يعيِّن الأساقفة، ويتولَّى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضافة إلى تشريعه للقوانين اللازمة للكنيسة – القانون الكنسي – كما اهتمَّ بإصلاح المدارس الدينية، ورفع مستوى رجال الدين الثقافي؛ فظهرت لذلك نهضة علمية واسعة في عصره، إلا أن الصراع مع البابوية تجدَّد مرة أخرى؛ لرغبة البابا ليو الثالث في التخلص من سيطرة الإمبراطور، لكنه لم يفلح في ذلك.
- الشقاق العظيم: والمراد به الاختلاف الكبير الذي أدَّى إلى الانفصال النهائي للكنيسة الشرقية والأرثوذكسية عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية، بعد محاولة البابا ليو التاسع ١٠٥٤ م فرض عقائد وأفكار الكنيسة الغربية على الشرق، التي رفضها بطريرك القسطنطينية ميخائيل كيرولاريوس، الأمر الذي فجَّر ما بينهما من الخلافات القديمة حول انبثاق روح القدس.
- العهد فيما بين البابا جريجوري السابع والبابا بويفيس (١٠٧٣ - ١٢٩٤) م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام (١١١٢) م, والثاني عام (١١٣٩) م, الذي أعلن فيه البابا أنوسنت الثاني (١١٣٠ - ١١٤٣) م, أن البابا له السيادة العليا على جميع الحكام العلمانيين. وما أنتهى هذا الصراع في هذه المرحلة إلا بعد توقيع الصلح بين البابوية والإمبراطور فردريك (١١٧٧) م. ومن أهم أحداث هذه الفترة انطلاق الحملات الصليبية التي دعا إليها البابا جريجوري السابع عام (١٠٧٤) م. وقد أعلن عن بداية هذه الحملات البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت عام (١٠٩٥) م، ولم يكتب لهذه الحملات النصر إلا في الحملة الأولى، ثم انكسرت شوكتهم بعد ذلك. كما شهدت تلك الفترة ظهور حركات الهرطقة ضد الكنيسة، ومنها حركة المارسونية التي تُمثل أكبر بدعة ناهضت الكنيسة في تلك الفترة، بالإضافة إلى سقوط القسطنطينية على يد الحملة الصليبية الرابعة (١٤٥٣) م، بالإضافة إلى تقنين القانون الكنسي.
- العهد بين البابا بونيفيس الثامن إلى عهد الإصلاح (١٢٩٤ - ١٥١٧) م: وهذه الحقبة التاريخية تمثل آخر فترات القرون الوسطى في أوروبا، وفيها اشتدَّ الصراع بين البابوية والإمبراطورية التي عملت على تفتيت قوة ونفوذ البابوية إلى أن تمَّ إضعافها تحت ضربات حركات الإصلاح المتتالية، وتأسيس كنيسة البروتستانت المعترضين. ومن أهم الأحداث الكنيسية في تلك الفترة: فشل حركات الإصلاح الكنسي؛ لتواطؤ البابا مارتن الخامس والبابا أبو جينوس الخامس (١٤١٧ - ١٤٤٧) م على إجهاض حركات الإصلاح؛ تحقيقاً لأطماعهم الشخصية. كما شهدت تأسيس عدد من الجمعيات الرئيسية لمساعدة الكنيسة ضد حركات الخروج عليها، وإمدادها بأتباع مخلصين مثل: اليسوعيين عام (١٥٣٤) م، والإخوان الفرنسيسكان والإخوان الدومينكان.