[١ - مجمع نيقية سنة (٣٢٥) م:]
كان هذا المجمع أول المجامع المسكونية وأخطرها أيضاً.
سبب انعقاده:
سبب انعقاد هذا المجمع هو التعارض والاختلاف العقدي الموجود في الكنسية في تلك الأزمان، وذلك أنه ما أن توقف الاضهاد الواقع على النصارى من قبل الرومان بمرسوم ميلان، حتى ظهر على السطح ذلك الخلاف العقائدي الكبير بين طوائف النصارى، والذي كان يخفيه من قبل الحالة الاضطهادية الواقعة على جميع أصناف النصارى، والذي كان من أسباب رسوخ هذه الانحرافات العقدية كما سيتبين.
وكان أبرز وجوه الاختلاف: ذلك الخلاف والتعارض بين دعوة كنيسة الإسكندرية- التي كانت تنادي بألوهية المسيح على مذهب بولس- وبين دعوة الأسقف الليبي (آريوس) في الإسكندرية أيضاً. الذي وُصِفَ بأنه عالم مثقف، وواعظ مفوه، وزاهد متقشف، وعالم بالتفسير، حيث أخذ ينادي بأن الله إله واحد غير مولود أزلي، أما الابن فهو ليس أزليًّا وغير مولود من الأب، وأن هذا الابن خرج من العدم مثل كل الخلائق حسب مشيئة الله وقصده.
وشايع آريوس في دعوته العديد من الأساقفة، منهم أسقف نيقوميديه المسمى أوسابيوس وغيره.
وكان الإمبراطور (قسطنطين) في ذلك الوقت قد أبدى تعاطفاً قويًّا تجاه النصارى، ورفع عنهم الاضطهاد، واهتم بشؤونهم، فهاله ما رأى من انقسام النصارى، وأدرك خطورة تلك الانقسامات على دولته، والتي كان أخطرها ما كان بين أسقف كنيسة الإسكندرية الكسندروس وآريوس وأتباعه.
وكان الخلاف قد تطور بينهما، وذلك بأن طلب أسقف الإسكندرية عقد مجمع في الإسكندرية للنظر في قضية آريوس ودعوته، فقرَّر ذلك المجمع قطع آريوس من الخدمة، وهذا جعل (آريوس) يخرج من الإسكندرية ويتوجه إلى آسيا، حيث عقد في (بثينيه) بآسيا الصغرى مشايعوه من الأساقفة مجمعاً قُرر فيه قبول آريوس وأتباعه وكتابة طلب إلى أسقف الإسكندرية برفع الحرمان الذي قرروه على (آريوس)، فهذا ما جعل الإمبراطور (قسطنطين) يدعو إلى مجمع عام في نيقية سنة (٣٢٥) م, لبحث هذه القضية.
- عدد الحاضرين ومذاهبهم:
اختلف كلام النصارى في ذكر عدد المجتمعين فالبعض يرى أن عدد المجتمعين كان (٣١٨) أسقفًّا فقط، وبعضهم يرى أنهم ما بين (٣٠٠ - ٥٢٠١)، ويذكر مارى سليمان في كتاب (المجدل) وكذلك ابن البطريق أن عددهم كان (٢٠٤٨) أسقفًّا.
أما مذاهب الحاضرين فكانت متباينة تبايناً شديداً. وكما يقول ابن البطريق بأنهم كانوا مختلفين في الآراء والأديان.
- فمنهم من كان يقول: إن المسيح وأمه إلهان من دون الله، وهم البربرانية.
- ومنهم من كان يقول: إن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وهي مقالة سابليوس.
- ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مرَّ في بطنها كما يمر الماء في الميزاب.
- ومنهم من كان يقول: إن المسيح إنسان مخلوق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وأن الابن من مريم، ويرون أن الله جوهر قديم واحد وأقنوم واحد، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بالروح القدس، وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية، ومنهم من كان يقول: إنهم ثلاثة آلهة لم تزل: صالح، وطالح، وعدل بينهما. وهي مقالة مرقيون وأصحابه.
- ومنهم من كان يقول بألوهية الميسح، وهي مقالة بولس ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًّا.
قرارات المجمع ونتيجته:
بعد أن تداول المجتمعون الآراء في ذلك المجمع خرجوا بتقرير ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه ابن الله - في زعمهم - أي: من ذات الله، وأنه مساوٍ لله جلَّ وعلا، وأنه مولود منه غير مخلوق، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.