كانت عقيدة بني إسرائيل- وذلك حين كانت تستمد تشريعها من السماء- هي الإيمان باليوم الآخر، وأنه دار الجزاء، وقد أثبت الله ذلك عنهم في عدة آيات من القرآن الكريم، قال عزَّ وجلَّ في خطابه لموسى عليه السلام: إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: ١٥]، وقال عزَّ وجلَّ على لسان موسى عليه السلام: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف: ١٥٦]، وقال عزَّ وجلَّ عن صالحي جنود طالوت: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: ٢٤٩]، إلا أنَّ اليهود انحرفوا عن هذا الاعتقاد بانحرافهم عن دين الله عزَّ وجلَّ، وقد سجَّل الله عليهم هذه الانحرافات، وعابهم عليها، وكذَّبهم فيها، فقال عزَّ من قائل: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُون [البقرة: ٨٠] وزعموا أن الجنة لهم وحدهم، وكذَّبهم الله بذلك قال عزَّ وجلَّ: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: ١١١] هذا ما حكاه الله عزَّ وجلَّ عن صالحيهم وفاسقيهم من ناحية الإيمان بالبعث والجنة والنار.
أما كتابهم التوراة: فقد خلا تماماً من ذكر الجنة والنار، والبعث والنشور، وكذلك سائر الكتب الملحقة فيه إلا نزراً يسيراً.
فمن ذلك صورة غير واضحة وردت في (سفر دانيال)(١٢/ ٢) وهو قولهم: (وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي).
ويذكر الدكتور (علي وافي): أنه لا يوجد في فرقهم الشهيرة من يؤمن باليوم الآخر، ففرقة الصادوقيين تنكر قيام الأموات، وتعتقد أن عقاب العصاة وإثابة المتقين إنما يحصلان في حياتهم.
وفرقة الفريسيين تعتقد أن الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الأرض؛ ليشتركوا في ملك المسيح الذي يأتي آخر الزمان، فهم ينكرون على هذا البعث يوم القيامة.
ومن نظر أدنى نظرة في كتاب اليهود التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن الوعود الواردة فيه مقابل الأعمال الصالحة والإيمان بالله تدور حول المتعة الدنيوية من انتصار على الأعداء وكثرة الأولاد، ونماء الزرع، إلى غير ذلك، كذلك الوعيد الوارد على المعاصي والكفر، كله يدور حول انتصار الأعداء عليهم وسبي ذراريهم وموت زرعهم وماشيتهم إلى غير ذلك من العقوبات الدنيوية، مما يدل على عدم إيمانهم باليوم الآخر حسب التوراة والكتب الملحقة بها.
وهذا يختلف عما لديهم في التلمود، حيث صرَّحوا بالنعيم والجحيم، فقد ورد فيه: أن الجنة مأوى الأرواح الزكية لا يدخلها إلا اليهود، والجحيم مأوى الكفار، ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء؛ لما فيه من الظلام والعفونة والطين، وأن الجحيم أوسع من النعيم ستين مرَّة.
كما ورد في نص الأصول الثلاثة عشر التي وضعها موسى بن ميمون، وجعلها أركان الإيمان اليهودي، قولهم في الركن الثالث عشر:(أنا أؤمن إيماناً كاملاً بقيامة الموتى، في الوقت الذي تنبعث فيه بذلك إرادة الخالق- تبارك اسمه وتعالى ذكره- الآن وإلى أبد الآبدين). وهذا ليس فيه تصريح باليوم الآخر؛ لاحتمال أن يقصد بذلك بعثاً دنيويًّا على نحو عقيدة الفريسيين السابقة، ولكن ذلك يدل على تغير في العقيدة لديهم عما كان عليه كثير من أسلافهم المتقدمين، ولعله من تأثرهم بعقيدة المسلمين؛ لاحتكاكهم بهم؛ لأن موسى بن ميمون كان طبيباً للأيوبيين في مصر.
المصدر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص ١١٩ - ١٢١