[المبحث الثاني: تاريخ الصهيونية:]
تاريخ الصهيونية جزء من تاريخ اليهود، والصهيونية هي امتداد لما يقوم به اليهود منذ القدم، وللصهيونية جذور تاريخية وسياسية منذ قيام حركة المكابين التي أعقبت السبي البابلي.
ومرت بعد ذلك بمراحل كثيرة منذ تلك القرون، وذلك قبل ظهور المسيحية، وقبل ظهور الإسلام وبعده.
وكانت مهمتها في مراحلها الأولى تحريض اليهود على العودة إلى أرض فلسطين، وبناء هيكل سليمان، وتأسيس دولة إسرائيل الكبرى.
أما في العصر الحديث فقد بدأت نواتها الأولى عام (١٨٠٦) م حين اجتمع المجلس الأعلى لليهود بدعوة من نابليون لاستغلال أطماع اليهود، وتحريضهم على مساعدته.
والصهيونية الحديثة هي المنسوبة لـ (تيودور هرتزل) الصحفي اليهودي النمساوي (١٨٦٠ - ١٩٠٤) م، وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم.
وقد بدأ اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، وفي محاولتين لكنهم أخفقوا.
وبعد ذلك أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عالمي في بال بسويسرا عام (١٨٩٧) م، ونجح في تجميع يهود العالم حوله، كما نجح في جمع دهاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ اليهود، وهي (بروتوكولات حكماء صهيون) المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها.
ومن ذلك الوقت بدأ حكماء اليهود يتحركون بدقة، ودهاء، وخفاء؛ لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها اليوم واضحة للعيان.
ومما هو معروف أنه بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في - بال- بدأ هرتزل جولته في العمل؛ لاحتواء السلطان عبد الحميد عن طريق الترغيب ثم الترهيب.
وقد كان موقف السلطان عبد الحميد واضحاً صريحاً حيث قال: بلِّغوا الدكتور هرتزل ألا يبذل بعد اليوم شيئاً من المحاولة في هذا الأمر- التوطن بفلسطين- فإني لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد في هذه البلاد ليذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك شعب روَّى ترابها بدمائهم؛ فلتحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب.
ثم بدأ الصهاينة من ذلك اليوم بمحاولة الإطاحة بعبد الحميد، وإزالة الخلافة الإسلامية، ثم تحقَّق لهم ما يريدون، وكان إسقاط عبد الحميد (١٩٠٩) م، والتمهيد لإلغاء الخلافة عام (١٩٢٤) م، وكان الذي بلغ السلطان قرار الخلع قُرَّه صُو عضو حزب الاتحاد والترقي اليهودي الأصلي.
وقبل ذلك تمكَّن اليهود من تأليب الدول الاستعمارية على الدولة العثمانية، وإثارة السموم، والدسائس حول السلطان، ورميه بمختلف الاتهامات.
ولم تكن الخلافة لتسقط لولا أن البدع قد انتشرت، وبدأت تدب في جسم الخلافة وتنخر فيه.
وبالرغم من ذلك كله فإن الخلافة كانت ترهب أعداء الله، وتضع هيبة ومنعة للمسلمين.
وكما نجح اليهود في بث الدعايات والأكاذيب على السلطان عبد الحميد، ووصفه بأنه سكير فاسق ظالم متوحش، فإنها أيضاً نجحت في إضفاء جميع صور البطولة على اليهودي مصطفى كمال الذي مثَّل رأس الأفعى اليهودية، ونفَّذ لدغتها القاتلة التي أدت إلى هدم الخلافة الإسلامية، وتمزيق الوجود السياسي للمسلمين.
وقد كان هذا الخبيث يتظاهر بالتدين، ويصلي في مقدمة الجنود، ويتملق العلماء، وعموم المسلمين، وعندما تمكَّن نفَّذ خطته اللئيمة على النحو التالي:
١ - إلغاء الخلافة الإسلامية.
٢ - فصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية؛ فحطم الدولة الإسلامية العظيمة.
٣ - أعلن العلمانية الإلحادية.
٤ - اضطهد العلماء أبشع اضطهاد، وقتل منهم العشرات، وعلقهم بأعواد الشجر.
٥ - أغلق كثيراً من المساجد، وحرَّم الأذان، والصلاة باللغة العربية.
٦ - أجبر الشعب على تغيير الزي الإسلامي، ولبس الزي الأوروبي.
٧ - ألغى الأوقاف، ومنع الصلاة في جامع (أيا صوفيا)، وحوَّله إلى متحف.
٨ - ألغى المحاكم الشرعية، وفرض القوانين الوضعية المدنية السويسرية.
٩ - فرض العطلة الأسبوعية يوم الأحد، بدلاً من يوم الجمعة.
١٠ - ألغى استعمال التقويم الهجري، ووضع مكانه التاريخ الميلادي.
١١ - حرَّم تعدد الزوجات، والطلاق، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث.
١٢ - شجع الشباب والفتيات على الدعارة، والفجور، وأباح المنكرات، بل كان قدوة في انحطاط الخلق، والفساد، وإدمان الخمر.
١٣ - قضى على التعليم الإسلامي، ومنع مدارس القرآن الكريم، واستبدل اللاتينية بالعربية.
١٤ - فتح باب تركيا لعلماء اليهود.
هذه صورة عامة عن تاريخ الصهيونية.
المصدر: رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص٩٤ - ٩٧