[الفرع الرابع: الانفصال الرسمي:]
- بعث فلافيانوس بطريرك القسطنطينية مقالة نسطور مرة أخرى فتصدَّى لها ديسقورس بطريرك الإسكندرية في مجمع أفسس عام (٤٤٩) م, والذي لم يعترف به أسقف روما، فعقد لذلك مجمع كليدونية عام (٤٥١) م, ليقرر لعن ديسقورس ونفيه، بل وتعيين بطريرك ملكاني خلفاً له، الأمر الذي دفع الكنيسة المصرية لإعلان عصيانها وعدم اعترافها بمجمع كليدونية عام (٤٥١) م, ولا بقراراته، مما سبَّب عودة الاضطهاد مرة أخرى؛ لحمل الكنيسة المصرية على اتباع عقيدة كنيسة القسطنطينية، والتي توافقها عليها الكنيسة الغربية.
- هكذا عاشت الكنيسة المصرية سلسلة من المنازعات حول تعيين الأسقف، إلى أن تم الاتفاق عام (٤٨٢) م على أن يختار المصريون أسقفهم دون تدخل من الإمبراطور، فكان هذا التاريخ يمثل بداية الانفصال الحقيقي عن كنيسة القسطنطينية.
- سرعان ما عاد الاضطهاد مرة أخرى للكنيسة المصرية، بعدما ولَّى هرقلُ المقوقس حُكم مصر بعد استردادها من الفرس عام (٦٢٨) م، في محاولة منه لتوطيد أركان ملكه عن طريق توحيد عقيدة الإمبراطورية على مذهب الطبيعتين، فلم يألُ المقوقس جهداً في إنفاذ ذلك، كما لم يعدم حيلة، مستخدماً الترغيب تارة، والترهيب والعذاب والتنكيل تارة أخرى، مما دفع بطريرك الكنيسة المصرية بنيامين للهروب إلى الصحراء، وأن يكتب إلى جميع أساقفته باللجوء إلى الجبال والبراري فراراً بعقيدتهم. ما أن ظهرت بشائر الفتح الإسلامي منطلقة من الجزيرة العربية حتى رحبت بها الكنيسة المصرية؛ للتخلص من ظلم واضطهاد إخوانهم نصارى الإمبراطورية البيزنطية .......
- رغم ذلك لم يهدأ لكنيسة روما بال عن فرض سيادتها على كنائس الشرق، مستخدمة في ذلك أساليب الحرب والقوة تارة، والدبلوماسية والمفاوضات تارة أخرى. ففي سنة (١٢١٩) م, قامت الحملة الصليبية الخامسة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا في محاولة لإخضاع الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لمذهب الكنيسة الغربية الكاثوليكية. وقد تمكنت في بادئ الأمر من احتلال مدينة دمياط، وفرض بطريرك كاثوليكي من الآباء الفرنسيسكان عليها، ليمثِّل أول وجود كاثوليكي في مصر، فما أن هبَّ المسلمون لصدِّ العدوان حتى انهزمت الحملة، وأُسر قائدها، وبذلك باءت مخططاتها بالفشل.
- وفي سنة (١٧٦٩) م, أعادت الكنيسة الغربية الكَرَّة، ولكن هذه المرة عن طريق المفاوضات والمصالحة، وعرض انضمام الكنيسة المصرية إليها، ليقابلها بطريرك الكنيسة المصرية يؤانس الثامن عشر بالرفض التام.
- بدأت بوادر حركة إصلاح وتطوير الكنيسة المصرية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وبخاصة في عهد البطريرك كيرلس الرابع (١٨٥٤– ١٨٦٢) م, (أبو الإصلاح) كما يسميه أتباع الكنيسة؛ لإدخاله العديد من الإصلاحات؛ لمواجهة نشاط الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية، التي زاد نشاطها، واستطاعت تأسيس مراكز للدعوة إلى مذاهبهم في صعيد مصر بوجه خاص. وكانت استجابة بعض الأرثوذكس لهم دافعاً للقيام بهذه الإصلاحات وافتتاح مدارس للبنين والبنات، وإنشاء المدرسة البطريركية، بالإضافة إلى إدخال أول مطبعة إلى مصر.
- وبأسلوب آخر تصدى البطريرك ديمتريوس الثاني (١٨٦٢ - ١٨٧٤) م, للتبشير الكاثوليكي والبروتستانتي في مصر، بإصدار قرارات الحرمان ضد المرسلين الأمريكيين ومن يتصل بهم من الأقباط.