وإن أصرَّ النصارى على تفسير كلمة (إيرينا) بالسلام، فقد جعلوا من عيسى مناقضاً لنفسه، إذ قال:(جئت لألقي ناراً على الأرض ... أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض. كلا أقول لكم، بل انقساماً ... )(لوقا ١٢/ ٤٩ - ٥١)، وفي متى:(لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً)(متى ١٠/ ٣٤).
وتبعاً لهذا يرى عبد الأحد داود أن صانعي السلام هم المسلمون، وذلك في قول المسيح:(طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم يدعون أبناء الله). (متى ٥/ ٩) فيرى أن الترجمة الدقيقة هي (طوبى للمسلمين)، وليس صانعي السلام الخيالي، الذي لم ولن يوجد على الأرض.
كما لا يستطيع أحد ينتمي إلى فرق النصارى المختلفة والمتباغضة طوال تاريخ النصرانية، لا يستطيع أن يقول بأن السلام قد تحقق في نفوس المؤمنين؛ إذ الأحقاد المتطاولة بينهم تكذب ذلك كله.
وجاء في تمام الأنشودة المزعومة للملائكة:(وبالناس المسرة)، واستخدم النص اليوناني كلمة (يودوكيا) وهي كلمة مشتقة من الفعل اليوناني (دوكيو)، ومعناها كما في القاموس الإغريقي:(لطيف، محسن، دمث ... ) ومن معانيها أيضاً السرور - المحبة - الرضا - الرغبة، الشهرة ...
فكل هذه الإطلاقات تصح في ترجمة كلمة (يودوكيا) التي يصح أيضاً أن تترجم في العبرانية إلى (محماد، ما حامود) المشتقة من الفعل (حمد) ومعناه: المرغوب فيه جدًّا، أو البهيج، أو الرائع أو المحبوب أو اللطيف، وهذا كله يتفق مع المعاني التي تفيدها كلمة (محمد وأحمد)، واللتان تقاربان في الاشتقاق كلمتي (حمدا ومحماد) العبرانيتين، ومثل هذا التقارب يدل على أن لهما أساسا واحدا مشتركا، كما هو الحال في كثير من كلمات اللغات السامية.
وينبِّه الأب السابق عبد الأحد داود إلى وجود هذا النص في (إنجيل) لوقا اليوناني، في الوقت الذي كانت فيه العبارات سريانية حين مقالها، ولا يمكن- حتى مع بذل الجهد وفرض الأمانة في الترجمة- أن تترجم كلمة ما من لغة إلى أخرى، وتفيد نفس المعاني الأصلية للكلمة، ومع ضياع الأصول لا يمكن التحقق من دقة هذه الترجمة. والترجمة الصحيحة للترنيمة- كما يرى عبد الأحد داود- هي:(الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد). (١)
(١) انظر ((محمد في الكتاب المقدس))، عبد الأحد داود، (ص١٤٧ - ١٦٥)، ((الإنجيل والصليب))، عبد الأحد داود، (ص٣٣ - ٥٥)، ((البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل))، أحمد حجازي السقا (٢/ ٣٧٠ – ٣٧٢).