للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الإنسان أول ما عرف التوحيد، ثم بدأ بالانحراف فتدرج في ذلك حتى وقع في الشرك، وذلك لأن الإنسان الأول هو آدم عليه السلام كان نبيًّا يعبد الله وحده لا شريك له، وعلم أبناءه التوحيد، إلى أن وقع بنو آدم في الشرك بعده بأزمان- وهذا يقر به ويقول به كل من يؤمن بأن الله هو الخالق، وكل من يؤمن بالإسلام أو باليهودية والنصرانية إلا من تابع قول الملحدين منهم. ومن الأدلة- زيادة على هذا- قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة: ٢١٣] قال ابن عباس رضي الله عنه، فيما روى عنه ابن جرير بسنده: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين). (١) ويؤيد هذا قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما كَانَ النَّاسُ أُمَّة وَاحِدَة (فَاخْتَلَفُوا) فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيينَ ... الآية. ويؤيده أيضا قوله عز وجل في سورة يونس: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ [يونس: ١٩].فهذا ينص على أن بني آدم عبدوا الله عز وجل فترة من الزمن وهي عشرة قرون، كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه، ثم إنهم انحرفوا عن هذا النهج القويم فبعث الله إليهم الرسل ليردوهم إلى التوحيد. وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنه بيَّن لنا كيف بدأ وقوع بني آدم في الشرك، فقد أخرج البخاري بسنده عنه أنه قال في معنى قول الله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: ٢٣]، قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت) (٢). فهذا كان مبدأ وقوع بني آدم في الشرك وانحرافهم عن توحيد الله عز وجل، ولا يعني استدلالنا هذا أن هذا الأمر لم يثبت إلا عن طريق الوحي - وإن كان كافياً في هذا - بل إن هذا القول أثبته علماء في الآثار وباحثون في الأديان من الغربيين وغيرهم.

يقول الباحث) آدمسون هيوبل (المتخصص في دراسة الملل البدائية:) د مضى ذلك العهد الذي كان يتهم الرجل القديم بأنه غير قادر على التفكير فيما يتعلق بالذات المقدسة أوفي الله العظيم، ولقد أخطأ) تيلور (حيث جعل التفكير الديني الموحد نتيجة للتقدم الحضاري والسمو المعرفي، وجعل ذلك نتيجة لتطور بدأ من عبادة الأرواح والأشباح ثم التعدد ثم أخيراً العثور على فكرة التوحيد (.

ويقول الباحث (اندري لانج) من علماء القرن الماضي: (إن الناس في أستراليا وأفريقيا والهند لم ينشأ اعتقادهم في الله العظيم على أساس من الاعتقاد المسيحي، وقد أكد هذا الرأي العالم الأسترالي (وليم سميث) حيث ذكر في كتابه (أسس فكرة التوحيد) مجموعة من البراهين والأدلة جمعها من عدة مناطق واتجاهات تؤكد أن أول تعبد مارسه الإنسان كان تجاه الله الواحد العظيم).


(١) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) (٤/ ٢٧٥)، ورواه الحاكم (٢/ ٤٨٠) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) رواه البخاري (٤٩٢٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>