إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مواهب المتنبئين مثل إشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبَّأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع من دمار وشيك لمملكتهم ووطنهم: أدركوا أن عتقاء الإله سيعودون لصهيون وهم يغنُّون، وسيُولَد الابتهاج بتَملُّكهم إرثهم دون إزعاج، فرحاً دائماً في نفوسهم (إشعياء (٣٥/ ١٠ انهضوا إذن بسرور أيها المبعدون. إن حرباً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تخوضها أمة دفاعاً عن نفسها بعد أن اعتبر أعداؤها أرضها التي توارثوها عن الأجداد غنيمة ينبغي أن تُقسَّم بينهم حسب أهوائهم. وبجرة قلم من مجلس الوزراء تقوم للثأر وللعار الذي لحق بها وبالأمم الأخرى البعيدة. ولقد نُسي ذلك العار تحت قيد العبودية والخزي الذي أصابكم منذ ألفي عام. ولئن كان الوقت والظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم أو التعبير عنها، بل وإرغامكم على التخلي عنها، فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات، إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، والذي يقوده العدل ويواكبه النصر، جعل القدس مقرًّا لقيادتي، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تَعُد تُرهب مدينة داود. يا ورثة فلسطين الشرعيين: إن الأمة التي لا تتاجر بالرجال والأوطان، كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادهم لجميع الشعوب (يوئيل ٤/ ٦ (، تدعوكم لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء. انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تُخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تَحالُفهم الأخوي شرفاً لإسبرطة وروما (مكابيون ١٢/ ١٥ (، وأن معاملة العبودية التي دامت ألفي عام لم تُفلح في إخمادها. سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سُلبت منكم لآلاف السنين، وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه، طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد. (يوئيل ٤/ ٢٠.) وفيما يتعلق بوعد نابليون البلفوري، يمكن ملاحظة ما يلي:
١ ـ جوهر الوعد هو العبارة التالية:(تقدِّم فرنسا فلسطين لليهود في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات ... وهذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين). (تدعوكم (فرنسا) لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء). (وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد.
٢ ـ لا يختلف تصريح نابليون عن وعد بلفور، فنابليون يعتبر أعضاء الجماعات اليهودية شعباً غريباً عن وطنه (وهو ما يعني إسقاط المواطنة عنه) وهو شعب مرتبط بفلسطين. وقد وجَّه نابليون نداءه إلى (الشعب الفريد) و (المبعدين) الذين عاشوا (تحت قيد العبودية والخزي ... منذ ألف عام) و (ورثة فلسطين الشرعيين)(أي: الشعب العضوي المنبوذ) بأن يتبعوا فرنسا التي ستقدم لهم إرث إسرائيل، أي: أرض فلسطين، أي: أنهم سيتم خروجهم من فرنسا وتوطينهم في فلسطين.