للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٠): وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى (٣١) وثانية مثلها هي: أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين. (٣٢) فقال له الكاتب: جيدا يا معلم بالحق قلت؛ لأنه) أي: الله (واحد وليس آخر سواه). (٣٣) (ومحبته من كل القلب، ومن كل الفهم، ومن كل النفس، ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح (٣٤) (فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له: لست بعيدا عن ملكوت الله). وفي الباب الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله عليه السلام بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: (بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء). فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة، وفي جميع كتب الأنبياء، وهو الحق، وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد أن الله واحد ولا إله غيره، ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبينا في التوراة وجميع كتب الأنبياء؛ لأنه أول الوصايا، ولقال عيسى عليه السلام: أول الوصايا: الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي. لكنه لم يبين في كتاب من كتب الأنبياء صراحة، ولم يقل عيسى عليه السلام هكذا، فلم يكن مدار النجاة. فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي، لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض كتب الأنبياء لا يتم على المخالف؛ لأن هذا الاستنباط خفي جدًّا مردود بمقابلة النص، وغرض المخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له دخل ما في النجاة لبينه الأنبياء الإسرائيلية بيانا واضحا، كما بينوا التوحيد في الباب الرابع من كتاب الاستثناء - (٣٥) (لتعلم أن الرب هو الله وليس غيره). (٣٩) (فاعلم اليوم واقبل بقلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وليس غيره). وفي الباب السادس من السفر المذكور (٤) (اسمع يا إسرائيل: إن الرب إلهنا فإنه رب واحد). (٥) (حب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك). وفي الباب الخامس والأربعين من كتاب إشعياء – (٥) (أنا هو الرب وليس غيري، وليس دوني إله، شددتك ولم تعرفني). (٦) (ليعلم الذين هم من مشرق الشمس والذين هم من المغرب أنه ليس غيري أنا الرب وليس آخر). فالواجب على أهل المشرق والمغرب أن يعلموا أن لا إله إلا الله وحده لا أن يعلموا أن الله ثالث ثلاثة. وفي الآية التاسعة من الباب السادس والأربعين من كتاب إشعياء – (٢) (إني أنا الله وليس غيري إلها وليس لي شبه).

(القول الثالث) في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس قول المسيح عليه السلام هكذا: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب) وهذا القول ينادي على بطلان التثليث؛ لأن المسيح عليه السلام خصص علم القيامة بالله، ونفى عن نفسه كما نفى عن عباد الله الآخرين، وسوَّى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلها، سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله، وفرضنا اتحادهما بالمسيح، وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول، أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب، فإنه يقتضي أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الأب، ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجري فيه عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته، فظهر أنه ليس إلها لا باعتبار الجسمية، ولا باعتبار غيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>