(القول السابع): في الآية السابعة عشرة من الباب العشرين من (إنجيل يوحنا) قول المسيح عليه السلام في خطاب مريم المجدلية هكذا: (لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) فسوَّى بينه وبين الناس في هذا القول (أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) لكيلا يتقولوا عليه الباطل، فيقولوا: إنه إله أو ابن إله. فكما أن تلاميذه عباد الله وليسوا بأبناء الله حقيقة، بل بالمعنى المجازي، فكذلك هو عبد الله وليس بابن الله حقيقة، ولما كان هذا القول بعد ما قام عيسى عليه السلام من الأموات على زعمهم قبل العروج بقليل، ثبت أنه كان يصرخ بأني عبد الله إلى زمان العروج، وهذا القول يطابق ما حكى الله عنه في القرآن المجيد: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:١١٧].
(القول الثامن): في الآية الثامنة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (إن أبي أعظم مني) ففيه أيضا نفي لألوهيته؛ لأن الله ليس كمثله شيء فضلا عن أن يكون أعظم منه.
(القول التاسع): في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (الكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للأب الذي أرسلني) ففيه أيضا تصريح بالرسالة، وبأن الكلام الذي تسمعونه وحي من جانب الله.
(القول العاشر): في الباب الثالث والعشرين من (إنجيل متى) قول المسيح عليه السلام في خطاب تلاميذه هكذا: (٩)(ولا تدعوا لكم أبا على الأرض؛ لأن أباكم واحد الذي في السماوات). (١٠)(ولا تدعوا معلمين؛ لأن معلمكم واحد المسيح). فهنا أيضا صرح:(بأن الله واحد وإني معلم لكم).
(القول الحادي عشر): في الباب السادس والعشرين من (إنجيل متى) هكذا: (٣٦)(حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها: جشيماني. فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك). (٣٧)(ثم أخذ معه بطرس وابني زيدي وابتدأ يحزن ويكتئب). (٣٨)(فقال لهم: نفسي حزينة جدا حتى الموت، امكثوا ههنا واسهروا معي). (٣٩)(ثم تقدَّم قليلا وخرَّ على وجهه، وكان يصلي قائلا: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ليس كما أريد، بل كما تريد أنت). (٤٠)(ثم جاء إلى التلاميذ ... إلخ). (٤٢)(فمضى أيضا ثانية، وصلى قائلا: يا أبتاه إن لم يكن أن تعبر عني هذه الكأس ألا أشربها فلتكن مشيئتك). (٤٣)(ثم جاء ... إلخ). (٤٤)(فتركهم ومضى أيضا، وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه). فأقواله وأحواله المندرجة في هذه العبارات تدل على عبوديته ونفي ألوهيته. أيحزن ويكتئب الإله ويموت ويصلي لإله آخر ويدعو بغاية التضرع؟ لا والله. ولما جاء جنابه الشريف إلى العالم، وتجسد؛ ليخلص العالم بدمه الكريم من عذاب الجحيم، فما معنى الحزن والاكتئاب، وما معنى الدعاء: بـ (إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس)؟!
(القول الثاني عشر): كان من عادته الشريفة أنه إذا عبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان غالبا كما لا يخفى على ناظر هذا الإنجيل المروج أيضا: مثلا في الآية ٢٠ باب ٨، ٦ باب ٩، ١٣، ٢٧ باب ١٦، ٩، ١٢، ٢٢ باب ١٧، ١١ باب ١٨، ٢٨ باب ١٩، ١٨، ٢٨ باب ٢٠، ٢٧ باب ٢٤، ٢٤، ٣٥، ٦٤ باب ٢٦ من إنجيل متى وهكذا في غيره، وظاهرٌ أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنسانا.
المصدر:إظهار الحق لرحمة الله الهندي ٣/ ٧٣٦ فما بعدها